وصلني تقرير إحصائي يُناقش التغيُّر الهرمي للسكان في المملكة العربية السعودية من البروفيسورة سمر السقاف بكلية الطب بجامعة الملك عبد العزيز كعادتها الجميلة في مشاركة التقارير والكتب والدراسات العلمية النافعة. دائمًا أفتح هذه التقارير والدراسات، وأقرأها بتمعن ولكن هذا التقرير تم قراءته بتمعن القارئ الفاحص، والمهتم أكثر بالسؤال لكل بند وإحصائية، والتي تُشير لانخفاض معدل الخصوبة بالمملكة والذي يعني انخفاض عدد مرات الولادة للنساء بالمملكة لتصل إلى 2.2 في العـام 2020، وتتوقّـع الأمـم المتّحـدة أن يصل إلى 1.8 بحلـول العــام 2050.
وهذا مؤشر لزيادة فئة المسنين وانخفاض شديد في فئة الشباب في الوطن، والتي لها مترتبات سكانية واقتصادية.
كمتخصصة في تمريض النساء والولادة؛ فهذه الإحصائية تعني لي الكثير ولن تمر مرور الكرام؛ حيث إني أعرج عليها في تدريس منهج الأمومة وصحة المرأة بمقررات البكالوريوس والدراسات العُليا في برامج التمريض، والتي نستعرض فيها تبعات انخفاض أو زيادة معدل الولادات على المرأة عن النسبة العالمية.
قمت بمناقشة ومشاركة الآراء مع بعض من الزميلات والأقرباء واللاتي لاحظت أنهن لم يدهشوا كثيرًا للإحصائية المسردة في التقرير، والبعض نوَّه أن هذا شيء واقع وملموس.
حين الأخذ بعين الاعتبار لبعض من الردود تحرك بداخلي الحس الأكاديمي الباحث لحصر العوامل الممكنة، والتي أدت إلى تدني الخصوبة لدى النساء بالمملكة. فأخذت أستطلع في بعض الإحصائيات المجتمعية بالمملكة، ولفت انتباهي نسب الطلاق فوجدت أن عدد الطلاق في ارتفاع حيث تم تحرير 57 ألفًا و595 صك طلاق عام 2020 استنادًا لبيانات الهيئة العامة السعودية للإحصاء؛ لذلك قد يكون عدم استدامة الزواج خاصة في السنوات الأولى عاملًا من العوامل، والتي تجعل النساء يقفن عن الإنجاب بعد ولادة واحدة ولا يقبلن على الإقبال في الزواج مرة أخرى بسبب الرغبة في تربية الابن أو الابنة أو لعزوفها عن الزواج بسبب تجربتها السابقة أو لعدم تقدم أي شخص لخطبتها كونها مطلقة ولديها أبناء.
أيضًا المفاهيم المكتسبة الحالية لدى بعض النساء حيال الجمال الجسماني والصحة في تفادي السمنة وهشاشة العظام وفقر الدم وغيرها من الأمراض التي ترتبط بتعدد الولادات مما يجعلها تقرر عدم إنجاب بدون الاضطرار لبذل الجهد في المسار الآخر في الوقاية، وتعزيز الصحة بعد الولادة.
أيضًا ارتفاع إحصائية العزوف عن الزواج لأسباب متعددة منها: الانشغال بالتعليم وتطوير الذات، والرغبة في عدم تحمل المسؤولية الزوجية لفتح بيت وأولاد وتبعاته وغلاء المهور لدى بعض العوائل، وتبني فكر العزوبية لدى الجنسين الرجل والمرأة؛ ولذلك قل عدد الإناث المتزوجات، وبالتالي يؤثر على العدد الإحصائي للإنجاب.
كذلك قد يكون أحد الأسباب المتطلبات الحياتية المعيشية للزوجين، والتي ترغمهم على تحديد عدد الأبناء إلى واحد أو اثنين بالكثير ليستطيعوا تربيتهم وتدريسهم والسفر وخلافه؛ خاصة في حال ضيق الحال في الراتب أو عدم توظيف أحد الوالدين مما يُقلل من الدخل المادي للعائلة.
إن تغيُّر النسيج العائلي في المملكة قد يكون أحد العوامل أيضًا، وساهم في انخفاض الخصوبة؛ حيث في يومنا الحاضر يسكن الأغلبية في بيوت منفصلة وبعيدة عن عوائلهم، والتي كانت سندًا في المساهمة في التربية وتقليل الضغط الحياتي على الوالدين مما كان يساهم في التيسير على الزوجين لاتخاذ القرار بزيادة عدد الإنجاب وبتشيع ودعم خاصة من الجد والجدة، والذين كانوا متفرغين لهذا الجانب أما في يومنا الحاضر أغلب الأجداد مازالوا يعملون وغير مفرغين أو ليست لديهم الرغبة لهذا الدور.
نلاحظ أيضًا تأخر سن الزواج لدى بعض النساء بسبب التعليم أو لعدم تقدم الزوج مما يضع النساء في فترة محدودة للقدرة على الحمل والولادة؛ وبذلك تتعثر في الإنجاب حتى لو رغبت في ذلك. وكذلك قد تتحرج من الحمل أكثر من مرتين لنظرة المجتمع حيال الحمل على كبر والتهويل من تبعات الحمل في سن متقدمة لارتباطه ببعض الأخطار الجسدية على الأم والطفل.
قد يكون أحد الأسباب كذلك أن بعض النساء ابتعدن عن تبني مفهوم تعزيز الأمة الإسلامية من خلال زيادة العدد في المواليد واقتصارهم على مفهوم تجويد التربية على واحد أو اثنين عوضًا عن الزيادة العددية بدون القدرة على تربيتهم التربية الصالحة.
أضف إلى ذلك أنه من المعروف عن المجتمع العربي المفاخرة بعدد الأبناء (الأبناء عزوة)، وفي يومنا هذا لم يعد ذلك بملموس بالمقارنة بالسنين الماضية بل أصبح يطلق على من لديه عدد كبير من الأبناء (مسكين) (والله يعينه)؛ ولذلك لم يعد هذا الأمر كعامل يشجع الزوجين للإنجاب مثل السابق، وقد ورد من قصص الأجداد أن الرجال كانوا ينوهون لزوجاتهم غير الراغبات في الخلفة في أنهم سيتزوجون عليهم في حال لا ترغب في الإنجاب مما يؤدي لرضوخ المرأة لتعدد الولادات لتفادي الزواج عليها.
كذلك رفع الوعي العلمي لدى المرأة بطرق موانع الحمل المختلفة وإدراك طرق الاستخدام الصحيح وتوفرها وجودة الرعاية الإنجابية الصحية بالمملكة قد يكون عاملًا؛ حيث إن الوعي الصحي لدى النساء يؤدي لرفع نسبة فاعلية مانع الحمل وتقليل نسب الخطأ مما يقلل بالتالي نسب الحمل غير المخطط له.
يبدو وبلا شك أن انخفاض الخصوبة له تبعات مجتمعية على مستوى الفرد والمجتمع السعودي؛ ولذلك من الضروري العمل على دراسة الواقع والحد من عوامل الانخفاض وعكسها (بتوازن) لضمان نسب الشباب في المجتمع، والعمل كذلك للتهيئة المجتمعية والاقتصادية والصحية في حال ثبات أو انخفاض أكثر لمعدل الخصوبة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كل ماذكرتيه حقيقة واقع ملموس ومعروف
لكن هناك سبب مهم ومهم للغاية وهو اثناء الولادة
اصبح جميع أفراد الأسرة يعانون منها وهي الولادة القيصرية اما ان تكون مكلفة مادية او خطورتها .
وكثيرة هي الحالات التي لاتلقى اهتمام اثناء حالة الولادة
وقد شاهدنا ذلك عيانا . مما جعل افراد العائلة يهددون
الزوجة بالمقاطعة انهي عادة للحمل مجددا
اقول ذلك من واقع مسح ميداني لكثير من العائلات التي أعرفها . واصبحت الولادة شبح مخيف يهدد بالموت
خصوصا عند الفتيات .
عسى ان نجد حلا ناجعا لتلك المعضلة .