يوم الخميس 12-1-2023 ذلك الخبر الذي هَزّ قلوبنا، قصم ظهورنا، وأثار نار أشجاننا جعلنا كأجساد بلا عقول، نعم إننا نؤمن بالموت وبِلقاء الله وما أجمله من لقاء، لكن المواجهة تعتبر أكبر المخاوف عند الإنسان كمواجهة فقد عمل أو مواجهة سرقة الأموال أو مواجهة فقد شخص عزيز قريب، وهكذا نبقى نتهرب من صعوبة مواجهة بعض الأمور في حياتنا، وحتى إن استطعنا مواجهته يصعب علينا تقبله في بداية الأمر، وسيأخذ مجراه طويلًا إلى أن نصل لمرحلة التقبل، عند وفاة والدي صعقنا وقفنا بين مرحلتي الإنكار والتقبل، نُنكِر فقده عندما نتذكر ذلك الصوت وتلك الملامح ذلك الشخص الوسيم طويل القامه الجَبِرْ صاحب العينين اللامعتين والمُحيّا الجميل الباسم، ونتقبل عندما نؤمن بقوله تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ).
سَكَنت لموتك ضجة الأصوات منذ ان دخلت لعالم الأموات الموت حق والحقيقة مُرّة ولنا بموتانا عظيم عُظاتٍ هي سكرة لم ينجو منها محمد فمن الذي ينجو من السكرات لكن عزاء المؤمنين بموتهم لُقيا الكريم بواسع الجنات.
الفُراق مُرّ وبأشد مرارته طعم فقدانك يا والدي عندما نرى حاجيّاتك تخلو الأولى تلو الأخرى، حتى عندما مكثت طويلًا أيامًا وشهورًا في المستشفى نطّمئن ونُطمْئن أنفسنا برؤيتك، وبالحديث القليل معك وجودك في حياتنا حياة أخرى حتى وإن كنت مريضًا ومُنهكًا، لم تُؤتِ بالعلم الوفير، ولكن كنت شخصية لو دُرّست في مجلدات، وكتب لَكَفَتهم الصغير والكبير القاصي والداني الرجل والمرأة يذكرونك بخير، لن ننسى ذلك الموقف عندما تحتفظ بأكياس الحلوى؛ فلمّا جلست في مجلس الرجال سألت أحدهم أين أجد هذه الحلوى إحدى بناتي تريده، ياااه لله درُّك لقد كُنتَ مثالًا ساميًا نبيلًا في الحب والحنان والعطف، واللين ينابيع عذبه لا تنضب أبدًا، بعبارة أخرى وبوصف آخر: شخصية اجتماعية رياضية محبوبة من طراز فريد، كنت أتحدث معه في أمر وبآخره يقول: (وش أنا عقبكم يا بنتي والله ما أسوى شي)، فلو بدأت أتذكر من أقواله أو على الأقل أن أصِفْ شخصية ذلك الإنسان لن أتوقف أبدًا ولَجَفْ حبر قلمي وقطرات أدمُعي وأنا لم أنتهي مما سأقوله وفي قلبي وحنيني الكثير. يا أبَتِي حان الوقت لِترتاح من تصارع الآلام والأمراض ومن أنِين قلبك ووجع جسدك لا تَخفْ ولا تقلق أنت غائب ولكن حاضر في قلوبنا وعقولنا؛ فـلك زوجة وذُريّة، وأهل لُحمه لن ينسونك من الدعوات في آناء الليل وأطراف النهار، طِبْتَ في نعيم الفردوس نُزُلاً يا أبي..
0