المقالات

الحليف المُضَلِل

أبشع من عدوك وأكثر فتكًا منه، وأكثر مكرًا وخبثًا ودهاءً.. هو الحليف المضَلِل!
الذي يُظهر لك وجه السند، ولطافة المحب، وهدوء الحكيم..
الذي يوحي لك بأنه أهلك.. وكل قبيلتك.. سيكون لك الشديد القوي إذا حلَّ الدمار بقريتك.. سيحمي ظهرك.. سيقف في وجه الحرب لأجلك، سيعوضك عن دارك التي هُدمت وسيجبر صدعك .. إنه رزقك والنعمة المسدلة على ضعفك!
ثم يصبح جوفك أجوفًا من طعنة سددها بيده الكريمة لظهرك العاري من الصحبة.. طعنة وصلت قلبك قبلك، فأذاقته طعم حروب ذاقها ولم يذقها!!
فالحرب الحقيقية هي حرب حليفك ضدك؛ لأن لها طعم الدمار المخيب ولها طعم الغدر المميت، حليف أطعمته نصفك، وبكيت على أحزانه قبله.. ورممت حصونه وسندت ظهره. أصعب من ذلك كله هو معرفتك بحقيقة أنه لم يكون يومًا معك بل كان حليفًا لنفسه وعدوًا لك!!

كان يعاملك كما يعامل الصياد الفريسة قبل أن يفتك بها ليعد عشاءه، كان يطعمك.. لأجله، كان يهتم بأحوال قلبك؛ لأنه يعني له غذاءً آخر الليل، كان يبعد الجميع عنك؛ لأنك تغذي بداخله إحساسًا بالأهمية.. لا يُمكن أن يحسه بدونك..
لذا تنقلب الدنيا في عينيك رأسًا على عقب.. تراه على حقيقته الصعبة! وترى كيف كان ولاؤك له جريمة في حق نفسك!
لكنك كنت متعبًا من حروبك.. مطعونًا بما فيه الكفاية.. فاقدًا كل غنائمك، متعدد الخسائر، ولأنك مؤمن بالنصر بعد النهاية، حين جاء وأخبرك كلامه المسموم، صدق قلبك وأثبت له كل كلمة
كان حريصًا على ثقتك أكثر من اللازم، وكان ذلك ما يلزم.

وحين تحققت لحليفك الغايات.. بدأت تختلف الوسائل!
كلماته صارت مجردة من المعنى.. وعوده مجردة من الوفاء، وأفعاله مليئة بالسم، بدأ جسمك ينتقض في حضرته كالمسموم.. آلام تتلوها آلام وأنت لا تعرف ما السبب؟ السبب تعلمه روحك.. وقلب المؤمن دليله.
وكانت طعنته الأخيرة.. مباغتة.. قوية.. سديدة.. حان وقت التهامك.. لكنك استجمعت شجاعتك في آخر نفس وقتلت محاولته في بدايتها..
لا أهمية للصياد بدون فريسة!
لا كبرياء للصياد حين يرى في عين فريسته “حقيقته”..
لا احترام للصياد الذي يجعل من “حليفه” فريسته!

وصدق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عندنا قال:

وَرُبَّ أَخٍ وَفَيْتُ لهُ وَفِيٍّ
ولكن لا يدومُ له وفاءُ
أَخِلاَّءٌ إذا استَغْنَيْتُ عَنْهُمْ
وأَعداءٌ إذا نَزَلَ البَلاَءُ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى