وُلِدَ بجزيرة فرسان، وبها نشأ في كنف والدته التي نذرت نفسها من أجله، تعلم في الكُتّاب وأُبعد عن الغوص وركوب البحر؛ خوفًا عليه ورغبة من والدته في أن يتعلم ويمتهن مهنة غير مهنة أهل الجزيرة، فكان لوالدته ما أرادت واستطاع الطفل أن يجعل من اسمه دلالة على الخير؛ فأخذ على عاتقه منذ الصغر همّ ومعاناة أهل الجزيرة فاستمد من قصصهم وأشعارهم ومعاناتهم الوقود الذي أشعل فكره والنسيج الذي شكَّل شخصيته، فأتم المرحلة الابتدائية، وسافر مغتربًا بجيزان والتحق بمعهد إعداد المعلمين، فعاش جزءًا من معاناة أهله في السفر بسفن شراعية تفتقد لأدنى وسائل السلامة. تخرج الابن البار وأصبح معلمًا، ثم عاد لفرسان ليقوم بتعليم أبناء الجزيرة، فبالرغم من أنه لم يركب البحر للغوص والصيد إلا أنه كان يحفظ مغامرات البحّارة، ومتاعبهم، ويشاركهم انتصاراتهم وفرحة العودة باللؤلؤ والأسماك، وفي نفس الوقت كان يحلم بأن تكون الجزيرة على اتصال بمن حولها، قرأ كثيرًا في الأدب والتاريخ، وكتب الشعر في سن مبكرة، وكان له الفضل بعد فضل الله وتوفيقه في تغيير جزيرة فرسان من جزيرة شبه معزولة تفتقر لكل شيء، وتحلم بأن تكون مثل بقية المحافظات وتصبح شأنها شأن غيرها، فكان إبراهيم عبدالله مفتاح هو مفتاح الخير لأهل جزيرة فرسان، وهنا تكمن دلالة اسمه ويتحقق حلم الأم التي أفنت زهرة شبابها وامتنعت عن الزواج وتفرغت لتربية وتعليم ابنها، وتمر السنون إثر السنين والجزيرة قابعة وسط البحر وعلى الرغم من محاولاته المتكررة وجهوده الكبيرة إلا أن أهلها مازالوا يعانون نقصًا في معظم الخدمات، وبدأت الهجرة التي أخلت الجزيرة من ساكنيها؛ فأثار ذلك حزن إبراهيم مفتاح؛ إذ كيف له أن يهاجر وهو الطفل الذي عاش في أحضان الجزيرة، فتصبح المنازل أطلالًا تبوح بذكرى الراحلين ! أوَ يفقد مفتاح رؤية البحر الذي حُرم من ركوبه، ويهاجر مبتعدًا عن مسقط رأسه !
ومن بين آلام وآمال الجزيرة، وعلى هدير أمواج البحر عاش إبراهيم مفتاح قصصًا وحكايات، وكلما كبر كبر معه الحلم وكبرت المعاناة وبات هاجس الرحيل يؤرق منامه، إذ أصبحت الجزيرة طاردةً لسكانها؛ فأدرك أن الحال لا بد أن يتغير إيمانًا منه وطموحًا يعتريه يعلو الأفق اتساعًا ويفوق البحر عُمقًا، فجاء عام ١٣٩٨هـ وهو العام الذي أغاث الله فيه الجزيرة بزيارة ميمونة من قبل وزير الداخلية الراحل سمو الأمير نايف بن عبد العزيز -رحمه الله-، في هذا العام كان للأستاذ إبراهيم مفتاح موعد مع التاريخ؛ فحانت لحظة التحول فكتب الشاعر الأديب الأستاذ إبراهيم مفتاح قصيدةً بعنوان (تحية ورجاء) فكانت التحية التي أبهرت الأمير والرجاء الذي قُوبِل بالترحاب والتلبية من قبل الأمير الضيف والوعد الذي أصبح نقطة تحول مفصلية في تاريخ جزيرة فرسان، جاءت القصيدة في آخر فقرات البرنامج فكانت مسك الختام، حيث وقف أديب فرسان ومؤرخها ومعلمها أمام الأمير نايف، وألقى قصيدة عصماء شرح فيها معاناة الجزيرة وأحلامها، وعند هذا البيت:
“وكم تحنّ أراضينا لطائرةٍ
لو مرةً كل أسبوعٍ تواسينا”
وقف الأمير نايف وقال:
(سيكون لكم وسائل نقل مأمونة ومضمونة تنقلكم وتنقل عوائلكم وسياراتكم وبالمجان)
فأكمل قصيدته بصوتٍ تخنقه العَبرة حتى وصل لهذا المقطع فانفجر باكيًا …
“والهاجرون ديارا كان يملؤها
صخبُ الحياة وأصوات المنادينا
أضحت تحن إلي الضوضاء ساحتُها
وللأهازيج تحيي عهدها فينا
هذي المنازل في شوقٍ لمن رحلوا
تدعو الإله بأشواق المحبينا
بأن يردّ إلى السكنى أحبتها
ويجمع الشملَ أزهارا ونسرينا”
والأمير يستمع بإنصات وتفاعل وجداني مع القصيدة، ويعيش معاناة الجزيرة التي ترجمها الشاعر بصوت من قاع البحر؛ وكأنه غريقٌ يستغيث والمنقذ ينتشله حيًا !
ولم يتمالك الأمير نفسه عند هذا المقطع الباكي؛ فأخرج من جيبه منديلًا ومسح دموعه التي انهمرت على وجنتيه؛ فكانت كالغيث الذي يحيي الأرض بعد موتها، ووسط هذه الدموع وعلى مسمعٍ ومرأى من أهل الجزيرة والمسؤولين المرافقين يستبشر أهل الجزيرة خيرًا، فكانت لحظة تاريخية ومنحى غير وجه الجزيرة المعزولة، إلى وجه مشرق أنار البحر واتصلت الجزيرة بمن حولها، وبدأت تتوالى الخدمات وتحقق حلم الأم؛ إذ رأت ثمرة تربيتها وتضحيتها، ورأت بر ابنها بأهله وجزيرته؛ فكان الأديب والشاعر إبراهيم عبدالله مفتاح صاحب أول تحية ورجاء لأول ضيفٍ أغدق على الجزيرة من فيض كرمه ما حوَّل به الآلام إلى آمال محققة.
رحم الله الأمير الإنسان نايف بن عبد العزيز؛ فهو بعد الله من أعاد الحياة للجزيرة بعد موتها.
4
سرد الكاتب في تسلسل فريد جزءا جميل من تاريخ جزيرة فرسان الحبيبة
أأعجب من تربية الأم وكفاحها
أم لطموح الإبن وبره
أم لجمال السرد
جمال على جمال سُكِب في بوتقة اللغة لتمتزج وتبهر من قرئها
مقال ممتاز جدا اجاد فيه المبدع ذو القلم العذب الأستاذ سعود العتيبي
وأوفى لصاحبه حقه فهو يستاهل كل كلمة قيلت فيه
بارك الله فيك يا استاذ سعود واطال الله عمر الاستاذ ابراهيم مفتاح ومتعه بالصحه
أ.سعود العتيبي
كالشمس أراه دائماً يضيء بقلمه المنير طرق المبدعين فالحياة الذين تركوا او لازالوا يضعون بصماتهم ليراها من معهم ومن خلفهم كل الشكر والتقدير لمقام شخصكم