للتاريخ أهميته في تسطير ولادة أي أمة، وللتوثيق ضرورات جمة كمرجع لحاضرها ومستقبلها، فيتعيَّن بذلك على الحضارات الكبرى التمحيص والتدقيق في مجريات تاريخها وتوثيق محطاته وأحداثه، وحدث عظيم (لتأسيس) دولة عظيمة كالمملكة العربية السعودية كان لا بد له من توثيق دقيق وأمانة مطلقة لتحتل الدولة مكانتها المتميزة وحضورها النائف بين الأمم وبصمتها الفارقة في التاريخ، فالحدث يتطلب الحفاوة والتمحيص لتعظيم الرموز التي أسست هذا الكيان وشيدت حضوره في ملاحم بطولية بارزة على أرض الجزيرة العربية؛ لتوحيد شتاتها تحت رايات الحق والاستحقاق بامتداد تاريخ قيامها (السياسي) منذ الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود -طيب الله ثراه- حتى يومنا هذا خلال ثلاثة قرون من العزة والأمجاد، والازدهار والإنجاز.
قبل ثلاثة قرون، وفي 22 فبراير 1727م قامت الدولة السعودية الأولى التي ارتبط تأسيسها بالإمام محمد بن سعود حين اتخذ الدرعية عاصمة لحكمه آنذاك، وكان إمامًا عادلًا وقائدًا فذًا وسياسيًا بارعًا، وبناء على هذا التاريخ المميز لقيام الدولة وتأطيرًا للفخر بالحدث التاريخي الكبير، فقد بات يوم 22 فبراير يومًا رسميًا للتأسيس التاريخي، الذي أقرته القيادة السعودية ليُمثل مناسبة وطنية يتم الاحتفاء بها في كل عام، وفيه توثيق دقيق لعمر الدولة السعودية التي بدأها الإمام محمد قبل نحو 300 عام، تليها الدولة السعودية الثانية التي أسسها الإمام تركي بن عبدالله بن سعود عام 1824م، ثم الدولة السعودية الثالثة (المملكة العربية السعودية) التي قامت على يد المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- ورجاله الأشاوس بتاريخ 1902م، والتي نرفل اليوم -كسعوديين- في حِمى أرضها تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- الذي يعبر اليوم بالمملكة برؤية فذة وإرادة قوية ورثها عن همة مؤسس شيد بها حضارة متماسكة بعد التشظي والتبدد والاحتراب والتمزق، وتحت راية “لا إله إلا الله” حين لملم عبد العزيز شتاتها ووحد تنافر سكانها وعمّر أطلالها، وصنع وطنًا يتسامق وعيًا وعزمًا ليرسي قواعد دولة بالبصيرة النافذة والعزيمة الفذة، ويعبر بها عباب المخاطر ومهددات التشظي لدولة تقف اليوم على مصاف الدول الكبرى بفضل حكمته السديدة وحكمة سلالته من بعده.
يصادف 22 من هذا الشهر (فبراير) الذكرى السنوية ليوم التأسيس التاريخي للمملكة العربية السعودية، وهو يوم يرسخ الاعتزاز باستمرار الدولة السعودية من الدولة الأولى إلى الدولة الثالثة والاعتزاز بحكامها من أبناء بيت الحكم السعودي والجذور الراسخة لهذه الدولة، وما أرسته من الوحدة والاستقرار والأمن والوحدة الوطنية عبر تاريخ تليد لم يخضع لمستعمر ومحتل، كما يرسخ هذا اليوم الاعتزاز بالارتباط الوثيق بين المواطن وقيادته وفخره بإنجازات ملوكه من أبناء المؤسس في تعزيز البناء والوحدة، ولم شتات الوطن تحت راية واحدة، وقيادة طموحة تسير إلى مصاف الدول العظمى ببصيرة نافذة ورؤية متجددة.
(يوم بدينا) هو شعارنا وفخرنا ببداياتنا واستمرار أمجادنا في احتفالات يوم التأسيس ورمزية حقيقية لامتداد الدولة وفخر السعوديين ببداية دولتهم وامتدادها بامتداد حكامها، وهي البداية التي أسست لأيام تاريخية ومحطات مفصلية في تاريخ المملكة منذ التأسيس حتى اليوم، وهي الفخر والاعتزاز بمرور ثلاثة قرون على تأسيس الدولة السعودية الأولى واستمرارها وصمودها بولاء شعبها والاعتزاز بقيادتها والفخر بأرضها، وهو إيذان بتأسيس “الهوية” والوطن والكيان والدولة.