رسخت المملكة على مدى ثلاثة قرون قواعد الدولة المتماسكة التي أرست الحكم، وجعلت أمن المجتمع في مقدمة اهتماماتها مع خدمة الحرمين الشريفين، وتحقيق رغد العيش للمجتمع وسط تحديات كثيرة، لكن عُمق التلاحم الوطني وقوته كانا وراء صد أي عدوان خارجي أو محاولة لخلخلة النسيج الاجتماعي.
وليس هناك رأيان فإن يوم التأسيس هو ملحمة يحكي فصولها، ويروي تفاصيلها: الأمن بعد الخوف، والوحدة بعد الشتات، والعلم بعد الجهل، والغنى بعد الفقر، والتلاحم بعد التناحر، والائتلاف بعد الاختلاف، والانتصار بعد الانكسار.. نقشتها الأرواح المثابرة، والأجساد الصابرة، على ثرى هذه البلاد الطاهرة ، التي لم يكن لدخيل فيها غاية، ولا لمعتدٍ في ثراها مكانة، إنها دولة بينها وبين السماء صلات، ولها في العز صولات، مرت بمراحل زادت من عزيمتها وعزّزت من مكانتها وقيمتها.
ويوم التأسيس ليس مجرد تاريخ وأرقام متناثرة، و عابرة، بل مناسبة متعاظمة للاعتزاز يستلهم من خلالها الأحفاد، تضحيات الآباء والأجداد، وما ذللوه من صعوبات وتحديات، في بناء وطن يتجذّر تاريخه لثلاثة قرون من العزة والمجد والشموخ، حافلة بالعروبة الخالصة، والعقيدة الصافية.
ويفتخر السعوديون بهذا الإرث التاريخي الكبير الذي أسسه الإمام محمد بن سعود في دولة مترامية الأطراف، رسمت سجلًا حافلًا لأحداث الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية في الجزيرة العربية منذ حكم الدولة الأولى والانطلاق من عاصمتها الدرعية، مرورًا بحكم الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود في الدولة الثانية، وانتهاء بتأسيس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود عام 1319هـ (1902) الدولة الثالثة وتوحيدها باسم المملكة العربية السعودية، ومواصلة أبنائه الملوك المسيرة على نهجه في تعزيز بناء الدولة ووحدتها حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الذي أصدر الأمر الملكي بالاحتفاء بذكرى التأسيس ليصبح إجازة رسمية.
ويعد يوم التأسيس ذكرى خالدة للاحتفال بتاريخ تأسيس الدولة السعودية الأولى منذ ثلاثة قرون ماضية بعد الصراعات والنزاعات؛ حيث أسس الإمام محمد بن سعود كيانًا يهدف إلى تحقيق الاستقرار والوحدة، واتخذ في هذا الوقت مدينة الدرعية عاصمة للدولة السعودية الأولى، ثم بعد ذلك توالت الإنجازات والنهضة بالمملكة على أيدي الكثير من الأئمة والملوك الحاكمين للدولة السعودية.
ويعد يوم التأسيس استذكارًا لامتداد الدولة السعودية من ثلاثة قرون، وإبرازًا للعُمق التاريخي والحضاري لها، واحتفاءً بالإرث الثقافي المتنوع، ووفاءً لمن أسهم في خدمة الوطن من الأئمة والملوك والمواطنين وفق سياسة ارتكزت على الوحدة ونشر العلم وتعزيز الثقافة، وذلك برؤيته الملهمة وقدرته وفطنته الرامية إلى التأثير، والوصول بالدولة إلى هذا العهد.
إن مَن شاهد المملكة بالأمس ويراها اليوم يعرف كم التغيير الكبير الذي حدث ويحدث على أرضها، كون هناك تغيير صنعته رؤية ٢٠٣٠ بناء دولتنا أكثر فأكثر خلال عصرنا الذي نحياه، كثير من الإنجازات والمحطات والقادة التاريخيين، والمملكة تمثل قيمة رمزية للتوازن والاعتدال سواء في موقعها أو عبر تاريخها وحضورها وعلاقتها وتأثيرها في الشرق الأوسط والعالم، وتستند المملكة في تحقيق أمجادها إلى دستورها الدين الإسلامي، وتطبيق الشريعة منهجًا وطريقًا وتنمية الإنسان وخدمة المكان ..
ومن يوم التأسيس نرى غدنا قويًا برَّاقًا كما كان ماضينا مُفعمًا بالوحدة والإيمان، والعزم القوي.. لنعتز بهذا الإرث العريق في الجزيرة العربية، وهي مناسبة تُؤكد رسوخ وثبات الدولة السعودية، وتخطّيها الزمن بصعابه ومشاقّه نحو رخاء جديد..
السعودية دولةٌ قائدة ورائدة إقليميًا، ومؤثرةٌ بشكل بالغٍ دوليًا، وهي مع «رؤية 2030»، وعرّابها، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تقدم نماذج مبهرةٍ في التعامل مع جميع الملفات والقضايا، و«يوم التأسيس» وأبعاده المتعددة يأتي ضمن هذه الرؤية.
وواصل أبناء الملك عبد العزيز من ملوك السعودية المسيرة من بعده، وراهنوا على دعامتي الاستقرار والتنمية، التي منحت البلاد عقودًا من التقدم والازدهار، وأعطتها تماسكًا في بحر من التحديات والصعوبات التي أحاطت بالمنطقة وهزّت أركان دولها ورفاه شعوبها. حتى حلّ عهد الملك سلمان بن عبد العزيز، سابع ملوك السعودية، ليرعى مرحلة جديدة من تاريخ البلاد، يتولى زمامها ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، في الجمع بين وعود المستقبل، وتجاوز كل معوقاته والخوض في جملة استحقاقاته، مع العودة إلى جذور أعمق في أقدم الحضارات التي كانت في شبه الجزيرة العربية، الجغرافيا التي تصِل بين الماضي والحاضر، والمركز الحيوي الذي يجمع ثلاث قارات، ودور رئيسي في التاريخ العالمي، وقامت الدولة السعودية منذ نشأتها على أسس قوية ناتجة من قوتها في الإدارة السياسة الناجحة وقوة التخطيط؛ بالإضافة للإرث الحضاري القوي.
وتسارعت خطى المملكة في صناعة الاقتصاد، وعزز ذلك ظهور النفط واستخراج المعادن، وتضاعفت العلاقات التجارية مع الدول العالمية، وانتشار حركة التجارة الداخلية، إضافة إلى استقطاب التقنيات العالمية والاستفادة منها داخل المملكة، وحققت المملكة معادلة متوازنة بين الأصالة والمعاصرة، من خلال رؤية واضحة للتطور والنماء، مما أنتج مجموعة من الحواضر الحديثة، والمنجزات التنموية المتنوعة.
خلال عقود قليلة، حوَّلت المملكة نفسها من دولة صحراوية إلى دولة حديثة متطورة ولاعب رئيسي على المسرح الدولي. تجسد اليوم الديناميكية المستمرة لشعب وقيادة المملكة أحد أكثر برامج التحول الوطني طموحًا في العالم؛ وهي رؤية 2030.