المقالات

ابن حنذية “قال كلمته ومضى”

رحل عطيه السوطاني ابن قرية “حنذية ” الشاعر الذي تجرع الألم المرير ليكون ساقيه.

في بداية الثمانينات، بدأ قصته كأحد سقاة ماء الروح في عالم يتورد خداه خجلاً من التكرار، وأعلن عن نفسه كشاعر واعد

أغلظ عليه البعض وزعموا أنه آذى الساحة ، وخرج عن المألوف .

لم يكترث لرأي ولم يلتفت لصوت ،ولم يستجب لمطالبات ورفض محاولات الإقصاء ليبقي يمارس فتله ونقضه ليس للكلمات والشعر بل للتجربة وكلما ذكر أحدهم الروح أمامه جهز الحياة بالروح ،لتكون عجينته أنضج .

بقي مهاباً لايخشى مغامرات الصباح ولا منازلات المساء .

ظل لقاؤه في ساحة العرضة ميلاد لجمهور عريض ومقياس لشكيمة شاعر وصبره.

ورغم الصخب الذي يحدثه حين يلتف المعراض كان يأوي فور نزوله من منصة الشعر لحياة خاصة ، تقوم على البساطة لا على التبسيط . وكلٌ مصطبة عالية على الابتسام حتى في أشقى الأزمات .

عطيه فعل الزلزال بعد الزلزال ولكنه لم يحد عن منهجه يجهز العجين ويدعو إلى تتبع الحياة لأن الحياة لا تموت .

جر ً الساحة إلى حلبته ، لم يحم حول الدعوة ، لأنه الرجل الوعد . إذا وعد وفى وهكذا وضع نفسه ضمن عائلة الشعر

وهو المؤمن بأن الحب لا يتبخر كما لا تتبخر العشرة . صحيح أن الوقت عجوز والحروب شرسة ومؤكد أن اللقاء بناء مدينة في مواجهة المدينة ولا بد من بناء المدينة .

هكذا ظهر عطيه كشعرةبيضاء على الجلد وإن على يد واحدة .

أبو صالح كان من يتلاعب بوجود المكان بدون أن يظهر متلاعباً، كعازف القانون ، مثّل معنى ( قوة الهدوء) ، كان للعرضة فعل الماتيماتيكية ، وبقي ( أطيب الناس ) والفسحة لجمهور عريض ، . صنع على أرض الشعر ( موضة) ورصّعها بحضور مذهّب حتى أصبح ( نبيذ العرضة ).
حتى في مرضه كان لاسبيل له وإليه سوى الغناء وحين يفعل تفوح روائح الورد والياسمين وغبار كثيف من الغضب الذي لايلبث أن يزول .

جعل الشعر ترياقه والغناء والدندنة ومواويل تبقت في ذهنه وأرواحنا غناها لنا مع بقية رفاق الرحلة .

يكاد الشعراء أن يتشابهوا أماعطيه فكان تاريخاً طويلاً من الصراعات ومما لا تراه من الحكايا المتشابكة.

صادق يبتسم، كلما شهد قصة صراع وما أكثرها في حياته.

أول من شرب من السيل، والأول في كل سيل حتى الحصاد.

ولأنه لزاماً أن يجف حبر الكلام ، وعلينا أن نودعه فالحياة غادِرة ومزالقها كثيرة انتصرعليه الوجع ورحل تاركاً محبيه في بحر أحزانهم لأنهم سيلتفتون ولن يجدوا شاعرهم.

‫‬وبانطفاءة روحه يرحل الرأس المليء بالشعر والشجاعة ويذهب أحد من عجزت الحياة عن كسب صداقتهم لينطفيء ليس كما تنطفيء شعلة في الليل ولكن كما يهوي شهاب من كبد السماء
لنردد : ‏وداعاً عطيه!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى