عندما أُعلن عن يوم العَلَم بحثتُ في أبجدياته ، وتعمقت في أدق تفاصيله وأوصافه ، فما وجدت أجمل من تلك الجداول العذبة ، والرياحين الفوّاحة التي تجسد قيمة العلم ومكانته .
ففي النص المنتقى جسّد الدكتور عبدالله الزهراني -أستاذ اللغة العربية المشارك بكلية الملك عبد الله للدفاع الجوي – لوحات الإبداع كما ينبغي ؛ إذْ نثرَ عبيره على صفحات التاريخ ، متخذًا من الراية (العَلَم ) وصفًا عاشقًا ، وكيانًا يسكن الأفئدة فتنساب المشاعر الدافقة .
فيقول الشاعر :
على هامة التاريخ تعلو البيارقُ
ومن أجلها تعدو الجيادُ السوابقُ
ولوج النص من باب حرف الجر (على ) يحمل إيقاعًا حركيًّا ، وكأن الحركة تبدو بانسيابية بطيئة ، وسرعان ما تتبدل الحركة إلى السرعة والديناميكية الحرّة ، وهي تشبه إلى حدٍّ بعيد استعداد الفارس لاعتلاء صهوة الجواد ، فيبدأ بالتهيئة ثم الاعتلاء السريع ، والصورة في البيت الآنف صورة استعارية ، فالتاريخ كائن حي له هامة وقامة ، ويعلو تلك الهامة جملة من البيارق وليس واحدًا فحسب !
ولذا فهي عظيمة ولها قيمتها ومكانتها لماذا ؟ لأن لها قيمة سامقة ، ومكانة عظيمة ، من أجلها تُسرج الخيول ، وتُقرع الطبول .
إلى هنا والأمر فيه عماءة ، وتعمية ، فالراية الخفاقة لمّا تبرز معالمها بعد ، ولذا فالشاعر ادّخر الأوصاف المبيّنة لعلة التشويق ، فانطلق يحلّق في فضاء الكون مخاطبًا النجوم في عليائها ، فهي لامعة في دجى الليل ، ومشرقة تزهو بحسنها في النهار المضيء ، ترنو إليها العيون الحواذق ، ويمد لها الرمل عطاء الكريم ، ويلثمها الغمام في عليائه ، فمازلنا في انتظار وضوح الرؤية التي تشبه في تعميتها الغمام المعانق ، وهنا يبرز لنا ملمح بلاغي يسميه النقاد عودة الأعجاز على الصدور ، ففي بداية النص ( على هامة الناريخ … ) ، وهذه إرهاصات لحدث جلل ، فالوصف جاء كلوحة فنيّة اكتملت معالمها ، عندما لاحت صورة السيفين تتوسطهما نخلة باسقة ، هنا تتجلى الوطنية كذرائعية لميلاد فجر جديد يحمل الأمل والعطاء .
ويستمر السرد الأدبي لتاريخ دولتنا ورايتها الخضراء ، فمن التوحيد ومكابدة الصعاب ، إلى التأسيس والنماء ، مرورًا بالتغلب على الصعاب ، ووصولًا لحاضر مزهر ورّاق .
فالأديب الدكتور عبدالله ، يجنح للألفاظ المشبعة بالوطنية ، الممزوجة بالعزة والكبرياء ، والعبارات الشامخة التي تناسب الحدث حدًّا ووظيفةً، ولذا فالنص مشبع فنيًّا بالفِخار والمنجزات ، جاءت الأحداث كسلسلة متناسقة النظم ، استطاع من خلالها التناغم بين التاريخ الأدبي والأحداث التاريخية ، وجاءت الموسيقى الشعرية متناغمة مع البحر الشعري الذي يشبه في ترديده وقع حافر الجياد السوابق ، ويرتفعُ رتمُ خاصيةِ التناغم اللفظي فينساب التعبيِر الشعوري ، فتتجلى الصورة الشعرية واضحة جليّة كوضوح العلم على سارية المجد .