المقالات

قراءة في الاتفاق السعودي الإيراني

‏تنافست القوى العُظمى على الصدارة، وحينها كان العالم بأسره في دائرة القلق لما تملكه كل قوة من ترسانة أسلحة نووية قادرة على تدمير العالم بأسره، وظلت القوى العُظمى على هذا المنوال لسنوات طويلة تحفز للحظة الشرارة الأولى التي تندلع فيها الحرب مواجهةً لتستخدم آلة الدمار لتحوّل الأرض إلى رماد، وجراء هذا التنافس والصراع عرفنا مصطلحات سياسية كثيرة، وقد يكون من أبرزها الحرب الباردة ولاحقًا حرب النجوم الذي استدعى استخدام الأرض وحتى الفضاء من أجل الحماية، وتعزيز مفاهيم الأمن القومي كما يدعون، ولا شك أنه ادعاء غير مبرر في منطق السلام العالمي والأمن الدولي وتبعات ذلك من تنمية ونماء، ولا يدفعهم إلى ذلك إلا نهم النفوذ واستعلاء الذات، وأهداف تلك التوجهات كانت تتجلى في الأناء والسعي من أجل السيطرة والهيمنة ومد النفوذ وقيادة العالم بأحادية القطب، كل ذلك على كان على حساب هذا العالم وعلى حساب الأمن والسلم والاستقرار الدولي، ويحدث كل هذا في ظل غياب حرب معلنة على الأرض لتتخذ تلك القوى مصطلح ما يعرف حينها بـ(الحرب الباردة)، وفي غمرة القوة كانت تفتعل الأزمات والصراعات حول العالم وفي طليعة ذلك الشرق الوسط إنسانًا وأرضًا، والمفارقة العجيبة حينما تحجب كل سبل الحياة ويدّعون الإنسانية بهذه المقدمة المقتضبة، وقبل أن أنتقل إلى صلب موضوع مقالنا عن الاتفاق السعودي الإيراني، والذي يتم برعاية صينية لمناقشة تبعاته وفق قراءة هادئة متزنة تدرك التبعات والحقوق المستحقة للمنطقة والعالم، وقبل أن أبدأ أترك الحكم للقارئ الكريم حول هذه المقدمة في المزيد من القراءات والتأملات احترامًا لرأيه وعقله في ترجيح الآراء المختلفة وتلافيًا لمفهوم استبداد الرأي لم أورد الكثير من الآراء، وسرد الوقائع والأحداث لمحاولة إقناع القارئ أو استعطافه؛ فلدينا القناعة في قدرته في تمييز كل الواقع الأحداث طوال عقود مضت، ونثق برؤيته وتطلعاته نحو حقيقة ما يدور في المشرق وحول العالم من فوضى سوقت لها لتكون فوضى خلاقة، وتستبدل المفاهيم بالمغالطات ليكون الخريف ربيعًا، وهكذا ظلت المنطقة طوال العقود الماضية في مد وجزر والخليج ومنطقة الشرق الوسط على صفيح ساخن، أما فيما يتعلق بعنوان مقالنا اليوم فإننا لن نستطرد فيه وسنشير إلى أبعاد هذا الاتفاق الذي في واقعه يعد تحولًا سياسيًا كبيرًا دوى صداه كل أرجاء العالم وفي أروقة السياسة وكان مهمًا إلى درجة متجاوزة حد القناعة بظهور عالم جديد يتشكل، والأصوات تتعالى بين مؤيد مستبشر وبين مبارك خجول وبين ممتعض مرتاب، فتداعيات الاتفاق سوف تفضي إلى استقرار عالمي كبير على مستوى البُعد الأمني، وزيادة في النماء والرفاه على مستوى البُعد الاقتصادي ونتائجه سوف تتعدى حدود المشرق الكبير إذا أخذنا بعين الاعتبار مرونة سلاسل الإمدادات مع زيادتها من المصدر الأم في الإنتاج، الأمر الذي سوف يتسع معه حجم المدن الصناعية، وبالتالي الإنتاج العالمي بكل أشكاله وسيقود إلى ريع اقتصادي قوي وسريع وارتفاع معدلات الصرف أمام العملات العالمية لدول الشرق الأوسط، ومن يراقب أوضاع الأسواق بعد الاتفاق يدرك أنها لم تكن كما هي من قبله، فالسعر يتعافى في الكثير من الدول نتيجة هذا الاتفاق، جدير بالذكر أن مراكز البحوث والدراسات العالمية تشير في بعض آرائها أن هناك مفهومًا يتغير في الساحة الدولية برمتها ما يعنى التأثير المباشر للاتفاق، وأن نتائجه تنعكس على المجتمع الدولي وأن أبعاده الاقتصادية سترخي بظلالها وسوف تتبادله الأسواق العالمية، الأمر الذي يؤكد حجم قوة الاتفاق ومدى المنفعة المتبادلة البينية وعلى كل المستويات، صحيح أن الأمر قد يحتاج إلى عام كامل كقراءة أولية لنلمس تداعياته الاقتصادية على مستوى الشرق الأوسط الكبير وإلى ثلاث سنوات كحد أقصى، وسنلمس نتائجه بشكل كبير ومباشر عالميًا أما فيما يتعلق ما بين الدولتين السعودية وإيران ستكون نتائجه في الشهور الأولى لتوقيع الاتفاق؛ وذلك من خلال جوانب كثيرة وخصوصًا بعد التمثيل الدبلوماسي بما فيها القنصليات والملحقيات، كالتبادل التجاري الواسع لا سيما إذا وقع لاحقًا بعض التعديلات أو المرونة على نظام الجمارك والنقل والتبادل التجاري والسياحة والجوانب الثقافي والتبادل المعرفي لحكمة الشرق القديمة وغيرها من المنافع والرؤى التي ستنعكس ايجابياتها على مواطني مشرقنا الكبير كولادة شراكات وشركات جديدة على مستوى قطاعات الإنتاج البينية والداخلية، أي داخل دول الاتفاق وهذا يزيد من معدلات الناتج القومي وينعكس على مستوى الأفراد في الخدمات وفي زيادة معدلات دخل الفرد المباشر لوجود منافذ العمل في قطاعات مختلفة، لأن العلاقة طردية كلما زادت الحركة الاقتصادية زادت معدلات النمو في اتجاهين المباشر وغير المباشر، وبالتالي زيادة الإنفاق على الرفاهية وعلى مشاريع البنية التحتية والخدمات، الأمر الذي يتهيأ لمنافذ شغل جديدة بعلاقة طردية أخرى وتراتبية بمعنى المعيار الذي يتيح أفضلية عن السابق، وهكذا يتعافى الاقتصاد ويعم الخير وبالتالي يحدث مع النمو الاقتصادي نموًا معرفيًا وعلميًا وفنيًا وتقتنيًا، وهكذا تتدرج الحياة من واقع رتيب راكد كان في السابق ملتفتًا إلى المواجهة والتشظي والانقسام إلى واقع فاعل حيوي نشط منخرط في الإعمار والبناء ومندمج في كل مسارب الحياة بنفع متعدٍ سيطال شعوب المنطقة، وهذا حتمًا لا يحدث إلا بعد أن تتعافى كل ظروف الحياة ومد علاقات الأخوة في تخلٍّ طوعي عن كل ما يعرقل سير المصالحة نحو تواصل إنساني عميق وعاقل ورشيد، عند ذلك يكون الوجه العام للحياة اليومية مستقرًا وفي الآن نفسه تتغير عن ماضيها إلى الأفضل بفعل ظروف أتاحها الاتفاق الأخير والنوايا الطيبة من جميع الأطراف، وبالتالي سوف البنية السائدة بين الناس في الدولتين متجسرة وقوية ومتينة، وتتحلى بروح من المحبة والمودة لتسير في عطاءات الإنسان النبيل لخدمة الشعوب.
وأخيرًا أنا متفائل حد التأكد من أن هذا الاتفاق سيُشكل فرصة للانتقال اليسير نحو سلام دائم في المنطقة وتنمية مستدامة وانتشار أفقي للخير والتقدم والنماء.. وإلى لقاء.

– ماجستير في الأدب والنقد

عوضه علي الدوسي

 ماجستير في الادب والنقد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى