المقالات

من يعلق الجرس؟!

تذكر إحدى الروايات؛ أن مجموعة من الفئران كانت تعيش في أحد الأماكن بأمان وسلام، وفي ذات يوم؛ اكتشف مكان الفئران هرّ أنهكه الجوع، فأخذ يتصيد تلك الفئران واحدًا تلو الآخر، متخذًا له مكامن اختباء مضمونة، حيث ينقض عليها قبل أن تنتبه إليه فتهرب منه.
سادت حالة من الرعب بين الفئران وضاقت ذرعا بهذا الوضع الخطر، فدعا كبيرها إلى اجتماع عاجل! للنظر في ايجاد حل مناسب للخلاص من هذه المصيبة التي سوف تقضي على الفئران كافة، انعقد الاجتماع وأخذ الأعضاء في مناقشة الأفكار المطروحة وكثر الجدل وتعالت الأصوات، وكاد الأمر يصل إلى عراك وتشابك بالأيدي كما هي العادة في برلمانات البشر، فكل ما طرح من مقترحات؛ لا يقدم حلا منطقيا للأزمة.
وفجأة تقدم أحد الفئران وقال: إن لدي فكرة لو نفذناها لأمنّا شرّ هذا الهر اللئيم، ورد الأعضاء في دهشة: وماهي؟، أجابهم: سنعلّق جرسا في رقبة الهرّ حتى إذا ما أقبل من بعيد؛ نسمع صوت جلجلة الجرس فنسارع الى الهرب والاختباء، وكانت حقا فكرة رائعة صفّق لها الجميع، ولكنهم ما لبثوا أن صمتوا وجمدوا في أماكنهم، حين سألهم كبيرهم سؤالًا أضاع البهجة من نفوسهم، وأعاد إليهم اليأس والخوف حين قال: مَن يعلّق الجرس على رقبة الهر؟، وهنا تضاءلت فرصة تنفيذ الحل أمام قوّة الهرّ المرعبة.
احتار الجميع أمام هذا السؤال الصاعقة؛ من يعلق الجرس في رقبة الهر؟!، لأن من سيتصدى لمهمة تعليق الجرس؛ سيكون قريبا من أنياب الهر ومخالبه، وقبل أن يتمكن من تعليق الجرس في رقبته قد تنتهي حياته.
انتهت الحكاية وخلصت الرواية واستمرت الفكرة القائمة على طرح الأفكار الجميلة، وتقديم الحلول السهلة، التي ما تلبث أن تصبح من الأمور المعقدة التي يستحيل تنفيذها على أرض الواقع.
هل تعلمون أيه الأعزاء الكرام؛ أنه منذ أمد بعيد وربما منذ زمن ما قبل هذه الرواية وإلى اليوم؛ وهناك الكثير من الفِئران الخائفة، وهناك جرس لم يعلق يبحث عن شخص شجاع يقول: “أنا من سيعلقه”، من يعلق الجرس في رقبة مؤسسة تُعنى بمصالح وشؤون المواطن، فرغم ما حملته رؤية 2030 المباركة من أهداف سامية ومبادرات تنموية وما صاحب هذه الرؤية من حملة تطهير لمؤسسات القطاعين العام والخاص من الفساد، إلا أن هناك بعضا من تلك المؤسسات مازالت تتمسك بجذور البيروقراطية الإدارية، ويعيث بين جدرانها الفساد الإداري والمالي، وتلعب فيها المحسوبية الدور الاكبر على حساب النزاهة والشفافية في العمل.
وهنا السؤال.. من يعلق الجرس في رقبة مدير نرجسي مازال يعيش في برج عاجي عازلا نفسه عن العاملين واحتياجاتهم وحقوقهم والمشكلات الحقيقية التي تواجه المؤسسة؟، وآخر لئيم لا يرى إلا نفسه وشلة المتملقين والمنتفعين من حوله الذين يدعموه في إدارة مصالحة الخاصة (وكله بثمنه)؟!، من يعلق الجرس في رقبة مدير يعيث مع شلته فساداً في أموال وممتلكات المؤسسة التي يديرها؟، من يعلق الجرس في رقبة مدير أو مديرة يتخذ المحسوبية معيارا وحيدا للتكليف على المناصب الإدارية ورئاسة وعضوية اللجان وفرق العمل والترقيات وخارج الدوام وتوزيع الحوافز؛ ضاربا بالكفاءة والموضوعية والأنظمة واللوائح عرض الحائط!.
لا شك أن هيئة الرقابة ومكافحة الفساد وبدعم ومتابعة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله- تقوم بدور جبار في محاربة الفساد وملاحقة الفاسدين، لكن دورها سيكون أكثر فاعلية عندما يتعاون معها المواطن والمقيم والموظف، وبخاصة الموظف الذي تجري أمام ناظريه أنشطة فساد واضحة وضوح الشمس؛ ولا يحتاج معها سوى أن يطرد حالة الخوف التي بداخله ومن ثم تعليق الجرس!!، ولكن وبكل أسف أن كثير من الأيدي في تلك المؤسسات مازالت مرتعشة؛ لا تجرؤ على ملامسة الجرس؛ ناهيك عن الإمساك به وتعليقه في رقبة الهر!!.
وختاماً هي أمنية أكررها بأن تقوم الجهات المعنية بمكافحة الفساد بتصميم استبانة إلكترونية؛ يتم توزيعها بشكل مباشر على موظفي بعض المؤسسات دون تدخل من إدارة تلك المؤسسات، وبحيث تكشف هذه الاستبانة مدى وجود مؤشرات للفساد في تلك الجهات التي يتم توجيه الاستبانة إلى منسوبيها، اتوقع أن تسهم هذه الاستبانة في تعليق أكثر من جرس، فهناك أكثر من هر وربما قطيوة!!.

د. عبدالله علي النهدي

عضو هيئة التدريب في معهد الإدارة العامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى