المقالات

لطائف رمضانية (2- 4)

لقرون طويلة، انتعشت مع قدوم شهر رمضان المبارك الحلويات بأنواعها، وعلى الأخص الكنافة التي باتت صديقاً صدوقاً لمائدة المصريين – بالذات-، والذين يتسابقون لشرائها أو لصناعتها بالمنازل منذ عرفوها في العصر الفاطمي.
ويحدثنا التاريخ أن الولّه المصري بالكنافة قد خلده الشعر، فبقي هذا الولّه حاضراً في القلوب والعقول، والنموذج الأمثل في هذا السياق يرتبط بالشاعر المصري القديم “أبو الحسين يحيى الجزار”، وهو أحد شعراء أواخر الدولة الأيوبية وبدايات دولة المماليك البحرية، والذي تدلّه حبًا في الكنافة إلى درجة أنها لم تملك فقط بطنه، بل ملكت مشاعره وأحاسيسه!.
يقول الجزار مخاطبًا محبوبته الكنافة: “ومالي أرى وجه الكنافة مغضبًا/ ولولا رضاها لم أرد رمضانها.. عجبت لها في هجرها كيف أظهرت/ على جفاء صد عني جفانها.. ترى اتهمتني بالقطائف فاغتدت/ تصد اعتقادًا أن قلبي خانها/ ومذ قاطعتني ما سمعت كلامها/ لأن لساني لم يخاطب لسانها”.
وبعد غروب شمس الدولة الأيوبية، والتي اشتهرت بحب الأدب والفيض بعطفها على الشعراء (ومنهم الجزار بالطبع)، جاءت دولة المماليك بقيادتها من الأعاجم الذين لم يرحبوا بالشعر والشعراء، وهنا أخذ أبو الحسين الجزار يبكي الكنافة ولياليها الغُر الحسان، فيقول: “سقى الله أكناف الكنافة بالقطر/ وجاد عليها سكرًا دائم الدرِ.. وتبًا لأيام المخلل إنها/ تمر بلا نفع وتُحسب من عمري”.
وفي السياق ذاته، بعث الجزار بقصيدة إلى صديقه الثري “شرف الدين” قائلاً: “أيا شرف الدين الذي فيض جوده/ براحته قد أخجل الغيث والبحرا.. لئن أمحلت أرض الكنافة أنني/ لأرجو لها من سحب راحتك القطرا.. فعجل بها جودًا فما لي حاجة/ سواها نباتًا يثمر الحمد والشكرا”. (أمحلت: أقفرت وجدبت/ القطر:نزول الماء قطرة قطرة).
أما الشاعر المصري المعروف “ابن نباتة”، فلم يكن عشقه للكنافة أقل من سابقه، إذ يقول متغزلًا فيها: “يا سيدي جاءتك في صدرها/ كأنها روحي في صدري.. كنافة بالحلو محشوة/ كما تقول العسل المصري.. قد خنقتني عبرتي كاسمها/ وبادرت من خلفها تجري.. ما خرج الفستق من قشره/ فيها وقد أخرجت من قشري.. ونشرها من طيبها لم يفح/ فأعجب لسوء الطي والنشر.. فهاك حلوًا قد تكفلته/ ولا تسل عني وعن صبري”.
وحدث أن أتم إرسال صحن كنافة لـ “ابن نباتة”، فتذكر بهذا الصحن ابنته “أسماء” التي تعيش في دمشق بعيدًا عنه، فأنشد قائلًا: “ذكرتك والأسماء تذكر بالكُنى/ فلله يا أسما الكنافة والذكر.. يذكر صحن الوجه صحن كنافة/ هما الحلو مما تشهد العين والفكر.. ليالي فطر الصوم إذ كل ليلة/ بإحسان نور الدين عيد: هو الفطر”.
…………………………
* صحفي وكاتب مصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى