جاء صوت المتصلة تسأل عن حال والدها المصاب بالزهايمر مع الصلاة، وهل يُمنع من أدائها؛ كونه قد يؤديها وهو على غير طهارة؟ فأجابها الشيخ (خلوه يصلي، خلوه يروكع، لا تمنعونه). أثارت الكلمات البسيطة ضحكتي، وارتبطت -في التوِّ واللحظة- بتلك العبارة الشهيرة التي تجاوزت حدَّ المكان، وسارت بها الرُّكبان، وصارت مثلًا على كل لسان: (لا تقتل المتعة يا مسلم).
أرجوكم لا تتسببوا في إحباط، وتقولوا أنه لا يوجد بين العبارتين أدنى ارتباط؛ فحديثي لم يأتِ اعتباط، وذلك المسنُّ مُذ نعومة أظفاره لم يعرف سوى الصلاة متعة، فعاش حياته متعلِّقًا بها، سجدةً تلو سجدة، وركعةً تلو ركعة، ولا يحول بينه وبينها إلا واحدٌ من أولئك الكُثر؛ أعني قاتلي المتعة؛ الذين لا يتوقفون عن الطيش، ولا يدعون للآخرين فرصةً للتمتع بلذة العيش، يحشرون أنوفهم في الصغيرة والكبيرة، ولا يخجلون من إظهار كلِّ سريرة، إن رأوا طفلًا مستمتعًا أنٌّبُوه، وإن بدا لهم شيبةٌ يبحثُ عن السعادة فيما بقي له من العمر عيَّبوه؛ فيمسحون من السعادة كل رسمة، ويزيلون عن الشفاه كل بسمة، ولو دارت عليهم الدوائر، لحاربوا دون شهواتهم، ولغالبوا من يريد الحؤول بينهم وبين ملذاتهم، ولا أقصد هنا باحثًا عن مصلحة، أو واقفًا على خطأٍ جَلَلٍ يريدُ أن يصلحه، أو ناهيًا عن منكرٍ في الدين، أو ساعيًا إلى ما فيه خيرٌ للمسلمين، بل إنني أحارب -ودون هوادة- ذاك الذي اتخذ النقد والتعييب عادة، فلا يسلم من نقده أحدٌ من البشر، لا صغيرٌ ولا كبيرٌ، ولا أنثى ولا ذكر، يحول دون أدنى ملذات الحياة، فقط؛ لأنها خارج قاموس عاداته، ودون مبتغاه، وليته يضع نصب عينيه قول الإمام الشافعي رحمه الله:
تَعَمَّدني بِنُصحِكَ في اِنفِرادي
وَجَنِّبني النَصيحَةَ في الجَماعَه
فَإِنَّ النُصحَ بَينَ الناسِ نَوعٌ
مِنَ التَوبيخِ لا أَرضى اِستِماعَه
بل إنه يسعى إلى المجاهرة والإعلان، ويضِجُّ بصوته وتصريحاته المكان، وإن خلا الموقف من التصريح، لم يخلُ أبدًا من التلميح. فذاك -يا سادة- لا يَجِدُ وقتًا للنظر فيما يُعَيِّبُه؛ لأن شؤون الناس عن شأنه تُغَيِّبُه، ولو نظر في حال نفسه لَحظَه، لرأى ما يزيغُ منه لٌحْظُه.
فيا ليت شعري هل نفتحُ يومًا أعيننا فلا نجدُ مثل هؤلاء؟ وهل يختفي من الحياة هذا الوباء؛ فننعم بلذة العيش والصفاء؟
أتمنى ذلك.
0