فوجئ العالم – بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية- باتفاقية التطبيع التي وقعتها الرياض وطهران مؤخرًا، في الوقت الذي كان البعض يُراهن على تطبيع الرياض مع تل أبيب، فجاء التطبيع السعودي – الإيراني بمثابة رد قاطع على استحالة قيام تطبيع سعودي – إسرائيلي طالما استمر الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وطالما ظلت القدس الشرقية رهينة الاحتلال. لذا فإن الخطوة السعودية لا تُعتبر ضربة معلم فقط، وإنما أيضًا- وهو المهم- رسالة واضحة بفتح صفحة جديدة في العلاقات السعودية – الإيرانية تُبشر بتداعيات إيجابية في المنطقة، من لبنان وسوريا إلى العراق واليمن، إلى جانب أنها أعطت المؤشر بأن بإمكان الصين أن تلعب دورًا فاعلًا ومؤثرًا في المنطقة بهدف إحلال السلام، كما أثبت نجاح الوساطة الصينية في أول محاولة لها في التوسط في الشرق الأوسط، أن الصين مهيأة للعب دور الوسيط النزيه والفاعل في هكذا أزمات، انطلاقًا من الحقيقة أنها حليف غير منحاز لأي من البلدين السعودية وإيران.
واضح أن الصين لم تستغل الفراغ العسكري الذي خلفه الانسحاب الأمريكي من العراق وأفغانستان، بمحاولة أن تحل محله، وإنما سعت إلى ملء الفراغ السياسي الذي ترتب على هذا الانسحاب، والذي طالما تخوَّفت منه واشنطن. الصين التي لا تحدوها أي أهداف استعمارية في المنطقة – والتي لا تسعى من خلال تقربها من قطبين كبيرين في إنتاج النفط، وبلدين مهمين على الخريطة الدولية باعتبارهما زعيمين للعالم السني والشيعي- استفادت من هذه الوساطة لجهة تأمين احتياجاتها النفطية من جهة، وكسب ثقة دول المنطقة كوسيط موثوق به في منطقة مثقلة بالصراعات، وهو ما لم تنجح فيه واشنطن في حل قضية الشرق الأوسط على مدى عقود عدة لعبت خلالها دور الوسيط الوحيد لعملية السلام حيث ظلت تخدع دول المنطقة طيلة هذه العقود، كونها لعبت في حقيقة الأمر دور الحليف لإسرائيل بانحيازها الكامل مع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ووضعها العراقيل أمام الجهود الدولية لحل تلك القضية، وهو ما يجعلنا نجزم بأن المتضرر الأكبر من المصالحة السعودية – الإيرانية هي أمريكا قبل إسرائيل. ولا شك أن علاقة الصداقة بين السعودية والصين من جهة، وبين إيران والصين من الجهة الأخرى لعبت دورًا كبيرًا في نجاح الوساطة، إلى جاب ما لعبته عُمان والعراق من دور كبير في تحقيق هذا الإنجاز.
في الحقيقة فإن المملكة العربية السعودية استفادت من تجاربها في نزاعات المنطقة، فلولا الدعم السعودي للولايات المتحدة في حرب أفغانستان لما تحققت الهزيمة للاتحاد السوفيتي، في المقابل كانت المملكة تتوقع أن تقوم واشنطن بأي جهد ملموس لحل القضية الفلسطينية والضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضي التي احتلتها في حرب 67، لكنها – بدلاً من ذلك- كثفت دعمها العسكري والمالي لإسرائيل. نفس المشهد تكرر في المسألة الإيرانية، فواشنطن وتل أبيب تريدان أن تكون السعودية رأس حربة في الحرب على إيران عدوهما المشترك، وحاولت واشنطن وتل أبيب تعميق عداوة السعوديين مع إيران من خلال الحوثيين، لكن عدم اكتراث واشنطن بهجمات الحوثيين الصاروخية والطائرات المفخخة على مواقع حيوية في السعودية وسحبها لصواريخ باتريوت، وإلغائها لقرار اعتبار الحوثيين منظمة إرهابية أجلى الحقيقة بأن واشنطن وتل أبيب تسعيان إلى جر السعودية إلى حرب ضد إيران، وأن السبيل إلى ذلك اعتبار الحوثيين أعداءً للسعودية وليس لواشنطن أو تل أبيب، وأنهما لا دخل لهما في الهجمات الحوثية، لذا يمكن القول بلا مواربة أن أمريكا وإسرائيل كانتا المستفيد الأكبر من الحرب السعودية – الحوثية.
يمكن أن نخلص في النهاية أن المصالحة السعودية – الإيرانية من شأنها أن تحقق الأمن والاستقرار في المنطقة، وأن نجاح الصين في الوساطة بين البلدين يؤهلها للعب دور الوسيط النزيه المؤثرغير المنحاز في النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، لا سيما وأنها تحتفظ بعلاقات جيدة ومتوازنة مع إسرائيل ودولة فلسطين.