المقالات

السلم الاجتماعي من منظور ولي العهد

يبقى مفهوم الترابط الاجتماعي واحدًا من أهم المفاهيم التي تحدد طبيعة علاقة الفرد بالمجتمع، والشعور بالترابط -كما نشعر به في المملكة العربية السعودية- من أهم الأسس التي تحافظ على استقرار ونمو المجتمع وتماسكه، وهو يشير إلى أي حد وصل شعور الناس بالترابط مع المجتمع، ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال المشاركة الإيجابية في أنشطة المجتمع، والدفاع عن مصالحه، والشعور بالفخر والاعتزاز بقوة اللحمة في المجتمع، والمحافظة على الممتلكات، ونشر قيم التسامح والوسطيه والاعتدال، ونبذ الكراهية والتطرف، التي تضررت منها دول ومجتمعات كثيرة كما سيأتي، وكل هذه المؤشرات يمكن أن يستدل عليها.
وإذا عُدنا بالتاريخ إلى الزمن الذي عايش فيه الناس حالة الفوضى الفكرية الخلاقة وعدم استقرار المنطقة من حولنا إبان ما سمي عبثًا بــ”الربيع العربي”، إذ لم تكن مجتمعاتنا بمنأى عن تأثيرات تلك الفترة، ولو بشكل نسبي بحكم روابط الجوار، وبحكم التقدم الرقمي وتسارع قنوات التواصل التي أسهمت في نقل كل ما يحصل في ساحات الفوضى وتسابق قنوات التضليل والفتنة في المنطقة إلى إذكاء كثيرٍ من الصراعات الطائفية والمذهبية، ولا ريب في أنها كانت تهدف من وراء هذا العمل إلى تقطيع الدول وبعثرة الشعوب، ولعلنا نتذكر فداحة جرائم دعاة الضلال في تمزيق الأوطان، والعبث بوحدتها وتأجيج الفتنة، وإثارة الفرقة إلا أن أشدها ضراوة هي ما يعرف بإشعال الحرائق الفكرية في صورة سجالات فكرية أو سياسية أو عقائدية حول بعض المواضيع والقضايا العميقة، وانزلق الخطاب ولا أقول الحوار فيها إلى مساحات الرفض للآخر والتكفير والتخوين من جانب، أو التجهيل والاستفزاز والتطرف من جانب آخر.
ومن صورها على سبيل المثال: الإنكار العلني على الحاكم وحمل معاني الولاء والبراء إلى معاني شطت عن تلك التي رسخها السلف الصالح وكالدعوة للتظاهر وتسيير التجمعات تعبيرًا عن إنكار المنكر – في حد زعمهم- مدعين أنها وسائل مشروعة تستقي أصولها من ديننا الحنيف، وفي حقيقتها أدوات للفوضى مستمدةً تطبيقاتها من تراث بعض الملل والطوائف الضالة، والهدف سياسي في الدرجة الأولى، وهو التأثير في مواقف الدولة والتغيير في سياساتها باتجاه مصالحهم ومصالح من يعملون له.
حتى كنا مع موعد مع ألطاف الله تعالى الذي مّن علينا بقيادة رشيدة أدركت خطورة الأمر وإلى ما ستؤول إليه العواقب، فسارعت الدولة إلى وضع خارطة طريق مستهلةً بتطويق بذور الفتنة وتحييد من تولى كبرها قبل أن تستفحل وتعصف بهدي الشريعة في أفقها الوسطي المعتدل في المجتمع؛ فكانت حازمة في “مواجهة كافة محاولات اختطاف المجتمع -يمينًا أو يسارًا- عن هذا الوسط العدل الذي جاء به ديننا الإسلامي الحنيف”.
فمنذ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -أدام الله ظله- مقاليد الحكم ومنذ أن شد عضده بابنه ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ومنذ أوكل إليه زمام هذه المواضيع حتى اُستردت حالة الطمأنينة الفكرية مكانها في المجتمع، وعادت إلى سابق عهدها قبل نشوب الأزمة وربما إلى ما قبل “زمن الصحوة”، وهو ما أكد عليه سمو ولي العهد، قائلًا: “أثبت السعوديون سماحتهم الحقيقية ونبذهم هذه الأفكار التي كانت دخيلة عليهم من جهات خارجية تسترت بعباءة الدين، ولن يسمحوا أبدًا بوجودها بينهم مرة أخرى”.
فاتخذت الدولة إثر ذلك عددًا من التدابير لحماية السلم الاجتماعي، من بينها تحييد العابثين بأمن الوطن الفكري وبقيم المجتمع ومسلماته الدينية، وحالت دونهم ودون الوصول لأهدافهم، فقطعت دابر فئام المتطرفين والغلاة الذين ثبت تورطهم في صلات بجهات خارجية حاولت عبثًا الإخلال بأمن المجتمع وتهديد سلمه الاجتماعية.
فكان لا مناص من أن تتخذ الدولة التدابير الشاملة حتى “لم يعد التطرف – كما أوضح سمو ولي العهد- مقبولًا في المملكة العربية السعودية…بل أصبح منبوذًا ومتخفيًا ومنزويًا، ويواصل حديثه قائلًا: ومع ذلك سنستمر في مواجهة أي مظاهر وتصرفات وأفكار متطرفة”.
إننا بتنا اليوم على يقين واعتقاد جازم أن التوقيت الذي أعلن فيه سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن رؤية المملكة ٢٠٣٠، كان له حظ كبير من النظر الاستراتيجي العميق وصدق التنبؤات.

– دكتوراة في الشريعة والقانون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى