ملامح في الأفق البعيد، تقترب رويدًا رويدا، وتنبئ عن وصول العيد، وفي معيَّته البهجة، والسرور، والتهاني، والدعوات بالعمر المديد، الكل في لحظة وداعٍ واستقبال معًا، يودِّعون بالأسى والحزن خير الشهور، ويستقبلون العيد بالسعادة والحبور، ويهيئون لأحبتهم بطاقات التهاني، وباقات الزهور.
اشرأبت الأعناق، وانطلق السباق، وفاضت بالناس الأسواق؛ فلا ترحيب دون الحلوى والأطباق، ولا لقاء دون إطلالةٍ بهيِّةٍ تستلزم زيارة الحلاق. وتحوَّلت ليلة العيد إلى نهار؛ فقد أضيئت السماء بألعاب النار؛ لأنها البهجة للصغار، والمتعة التي تهدى لهم من الكبار.
وبعد طول سهرٍ وسمر، انقضت تلك الساعات، وأسدل عليها الستار، وكشفت شمس العيد الخِمَار، فخرجت إلى المصلَّيات الأفواج، وغدا الناس على وجه الأرض كالأمواج. وما هي غير ساعةٍ أو أقل، حتى رفع كل واحدٍ حِلسَه، وانسحب من المصلى خِلْسَه، دون أن يبادل الآخرين التهاني، أو يشنِّف آذانهم ببعض الدعوات والأماني، محتفظًا بكل ذلك لأهل الدار، هذا إن كان يعمها الهدوء والاستقرار. وفي البيت لا بأس بجلسة لطيفة، ولقمةٍ خفيفة، ثم انصرافٌ إلى النوم، وغرقٌ فيه إلى نهاية اليوم. وشيئًا فشيئًا تتلاشى الأفراح؛ إذ لم يعد لها متسع داخل الأرواح. فماذا حلَّ بالقوم يا ساده؟!
وأين اختفى ما كان من عادة؟!
أين ذهبت بهجة العيد؟!
ولماذا خُلِعَتْ مع الثوب الجديد؟!
هل يُعقل أن تختفي تحت تلك الثياب المطرَّزة، والأشمغة المغرَّزة، صدورٌ عامرةٌ بالشحناء، وقلوبٌ امتلأت بالحقد والبغضاء، وعقولٌ طاشت بها الأهواء؟!
يجيب عن ذلك كله أبَوَانِ لم يظفرا بالزيارة؛ لأن البعد دونهما حائل، وتكفي المعايدة عبر المكالمات والرسائل.
يجيب عن ذلك كله أخٌ حُرِمَ من أخيه الكلام والسلام، وانقطع الوصل بينهما من أعوام؛ لأن طفلًا تسبب في الخصام، أو ربما عنزةً دخلت البيت وأكلت شيئًا من الطعام.
يجيب عن ذلك كله جارٌ استندَ في صبيحة العيد جداره، يكفكف دموعه لأنه لم يجد ما يكسو به صغاره، أو يزين به داره، بينما نسينا نحن جواره، وخرجنا نتبختر أمامه في الجديد، ونُظهِرُ الفرحة بالعيد.
نعم هذه هي الحال، ولأن السعادة والبهجة ليست للاحتكار؛ فقد أقْسَمَتْ أن تغادر الأسوار، وتترك قلاع أرواحنا خاليةً من كل معانيها؛ حتى نشعر بشعور من بخلنا بها عليه، ونعود من جديدٍ لنبسط كفَّ البرِّ والوصال والاهتمام إليه.
0