لقد أثبتت البحوث التربوية أن التدريس الفعَّال يعتمد بالدرجة الأولى على شخصية المعلم وتحصيله العلمي وذكائه ومهاراته التدريسية التي يتمتع بها. إن مهنة التدريس هي المهنة الأم؛ وذلك لأنها تُعتبر المصدر الأساسي الذي يُمهد للمهن الأخرى، ويمدها بالعناصر البشرية المؤهلة علميًا وفنيًا وأخلاقيًا، فالمعلم ليس مجرد “عالم” يعرف جانبًا من العلم يحاول أن يمنحه لطلابه أو يفيض عليهم به.. إنه أكثر من ذلك بكثير…إذ إنه بجانب تمكنه من العلم والتعليم والمعرفة، لا بد وأن يمتلك الكثير من المهارات التدريسية ما يمكنه من توصيل ذلك العلم إلى طلابه، وبعض هذه المهارات يولد بها ذلك المعلم بالفطرة، والبعض الآخر يكتسبه من خلال إعداده المهني أو التربوي، تمامًا كما يحدث مع أصحاب أي مهنة أخرى.
لقد أصبح الإيمان بأهمية المعلم وبدوره القيادي في العملية التربوية داخل الفصل وخارجه أحد المبادئ والمسلمات الأساسية التي تقوم عليها التربية الحديثة في البلدان المتقدمة من الناحية النظرية والتطبيقية. ولكي ينجح المعلم في عمله وفي تأدية أدواره الأخرى في المجتمع، لا بد من الاهتمام بإعداده قبل المهنة، وتدريبه أثناء قيامه بعمله بشكل مستمر، ببرامج يقوم بإعدادها وتنفيذها مسؤولو التربية والتعليم.
إن الإعداد الصالح للمعلم يُعتبر من الشروط الأساسية لإصلاح وتحسين النظام التربوي بأكمله، وزيادة كفاءته وفعاليته، ويتوقف نجاح المعلم في عمله بالدرجة الأولى على نوع الإعداد المهني الذي يتم في المعاهد والكليات، وعلى حسن الاختيار لهذه المهنة منذ البداية.
يقول علماء التربية: إن أنواع النشاطات التي نقوم بها داخل قاعات الدراسة تندرج تحت مفهوم لا يعكس بالضرورة معنى التربية، إذ إن هذا الذي يحدث داخل حجرة الدراسة هو التعليم، أما التربية فإن معناها أعمق وأوسع وأشمل من هذا بكثير، إذ إنها تعني الفلسفة وراء ما نقوم به، بمعنى لماذا نقوم بما نقوم به داخل حجرة الدراسة، والتربية بهذا المعنى تتطلب أن يكون المعلم عارفًا وملمًا بفلسفة العملية التربوية التي يقوم بها، وبالأهداف التي عليه أن يسعى لتحقيقها، والقيم التي يرغب في غرسها لدى طلابه، ويتطلب ذلك بالضرورة التمكن من أمور كثيرة من أهمها وضوح الأهداف التربوية لدى المعلم وكيفية إكساب الآخرين بها، وأن يكون له جدول زمني محدد لتحقيقها.
وعندما تتضح هذه الأمور في ذهن المعلم، حينئذ يمكننا القول إنه يستطيع أن يغيَّر الصورة الذهنية لمدرسته التي يعمل بها في أعين المجتمع.. بل وأكثر من هذا قد يصبح المعلم عنوانًا للمدرسة التي يمكن أن تسهم في تغيير المجتمع وتطويره نحو الأفضل، وعندها ينطبق عليه قول عالم من علماء التربية وهو (شاندلر): “إن المدرسة الجيدة … جيدة بمعلميها”.
0