المقالات

حرية الجامعات واختبار القيادات في الجودة وسوق العمل

تحقيقًا لرؤية سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تتجه وزارة التعليم في العام 2023، بقيادة وزير التعليم الجديد، معالي الأستاذ يوسف البنيان الذي يتمتع بخبرات إدارية طويلة، لتحسين قطاع التعليم، ورفع جودة الخدمات التعليمية المقدمة في المدارس والجامعات والمعاهد السعودية.

وذلك بتوجيه كل من رأس المال المادي والبشري نحو التنمية الشاملة لمؤسسات التعليم، ومن المفترض أن تساهم هذه التحسينات في تعزيز الحرية الأكاديمية وتمكين الجامعات من اختيار قياداتها، والقدرة على تقديم تعليم عالي الجودة يستجيب لاحتياجات سوق العمل. يتطلب تحقيق هذه الرؤية كفاءة عالية عند القادة الأكاديميين، وتعزيز فعاليتهم، من خلال استغلال الفرص للمناقشة وتبادل الأفكار مع الخبراء في المجال.

وفي أكثر المواضيع جدلًا في العام الماضي حسمت وزارة التعليم تجربة الفصول الدراسية الثلاثة في التعليم العام ومددت التجربة على الجامعات السعودية الحكومية، وذلك ليتمكنوا من تقييم شامل على قطاع التعليم العام والجامعي، ومنحوا الجامعات حرية اختيار الطريقة المناسبة لتعويض فرق المدة الزمنية بين نظام الفصلين ونظام الثلاثة فصول خلال الفترة الانتقالية. وللتوضيح فإن الفارق بينهما أنه في نظام الفصلين يمتد الفصل الدراسي إلى ١٨ أسبوعًا شاملًا الاختبارات النهائية، أما في نظام الفصول الثلاثة فيمتد الفصل الدراسي إلى ١٣ أسبوعًا.
ونتيجة منح الجامعات حرية في تطبيق نظام الفصول الثلاثة هذا قد يؤدي إلى عدم توحيد المنهج المتبع، وعدم تحديد المعايير اللازمة لتقييم الجودة والنتائج.

وهنا نعرج على بعض الجامعات التي اختارت تطبيق نظام الثلاثة فصول، ولكن بطريقة الفصلين الدراسيين، دون زيادة مدة المحاضرات لتعويض الأسابيع المحذوفة من الفصل الدراسي، الأمر الذي أدى إلى تخفيض مدة الدراسة. وعندها الطالب المنتمي للكلية ذات الأربع سنوات سيتخرج في ثلاث سنوات، أما الطالب المنتمي لكلية الخمس سنوات، فسيتمكن من التخرج في ثلاث سنوات ونصف، والنتيجة المرجوة أن يتخرج الطالب في مدة أقل رافعين شعار ترشيد الإنفاق كهدف أساسي في نهاية التجربة.

وهنا نجد الفترة الزمنية لبرنامج البكالوريوس تقارب فترة الدبلومات.. وتذكرت العروض الترويجية التي تعطي الزبائن فرصة شراء منتج والحصول على منتج آخر مجانًا، او بنصف القيمة. ولكن الفرق بينهما كبير، ففي الأول قرار غير مدروس، والخاسر هو الطالب والوطن، اما الثاني فالقرار مدروس بعناية والكاسب هو البائع والمشتري.

نحن نطالب بحرية الجامعات، ولكن نطالب بتقييم تجربة الفصول الثلاثة بطرق علمية مدروسة، تحدد فيها الوزارة المعايير، ونسقطها على جميع الجامعات حتى يتوحد معيار الدراسة.. إلا أن اختيار تقليل عدد الأسابيع دون زيادة مدة المحاضرات قد تؤثر سلبًا على جودة التعليم؛ حيث إن تقليل مدة الفصل الدراسي يعني تقليل مدة الوقت المخصص لتغطية المناهج الدراسية وتنفيذ الأنشطة الأكاديمية، مما يؤثر على جودة التعليم ويترك أثرًا سلبيًا على الطلاب والمجتمع بشكل عام.

التحسينات المستهدفة في النظام الجامعي من المتوقع أن تعزز التعليم والتعلم، وتوفر فرصًا للطلاب للحصول على تعليم عالي الجودة، مما يساهم في بناء مجتمع مستدام وتحقيق رؤية المملكة 2030 في التطوير والتنمية. عليه، فإن تحسين النظام الجامعي في المملكة العربية السعودية يتطلب التزامًا بالمعايير الأكاديمية والتعليمية، وتطوير المناهج الدراسية واستخدام تقنيات التعليم الحديثة والمبتكرة، وتوفير بيئة تعليمية مشجعة وملائمة لاحتياجات الطلاب ومتطلبات سوق العمل.

الوطن يتطلب من وزارة التعليم أن يتم تقييم الفصول الثلاثة بشكل علمي وموحد؛ آخذين في الاعتبار النظرة الشمولية في التقييم، ولعلنا نطالب بمعرفة تأثير رسوم المدارس ارتفاعًا او انخفاضًا في التعليم العام، وإنشاء تقييم موحد للمدارس لمعرفة مدى استفادة الطلاب والطالبات في التعليم العام لهذه التجربة. وكذلك معرفة قياس مخرجات التعليم من المركز الوطني للتقويم والاعتماد الأكاديمي ومقارنتها بالأعوام السابقة.

كذلك نطالب بدراسة مدى تأثير ذلك على الصحة النفسية، ومعرفة هل هناك رابط بين الضغوط النفسية وازدياد نسبة تعاطي المخدرات. كما نناشد الجهات الخدمية والمساندة كشركة الكهرباء، والمياه، والمرور، دراسة وعرض الأثر الاقتصادي والقيمة المضافة في التقييم للتجربة. ولعلنا نطالب هيئة الحكومة الوطنية بنشر استبيانات مكثفة لجميع أرباب المصلحة ومعرفة آرائهم ودراستها، وتقييم الأثر بشكل علمي علني يعزز من مكانة المملكة عالميًا ومحليًا.

تحسين جودة التعليم ليس مسؤولية فردية، بل يتطلب تعاونًا بين أرباب المصلحة والمجتمع بأكمله؛ للحفاظ على مكانة المملكة كمركز للتعليم العالي المتميز.
الجهود الرامية؛ لتحسين النظام الجامعي تتطلب الشغف والتفاني من جميع الأطراف المعنية.

إن التغيير لنظام الفصول الثلاثة يضع القياديين الأكاديميين ومؤسساتهم التعليمية في اختبار كبير لمعرفة مدى استعدادهم للنهوض بمخرجات الوطن إلى ما يناسب مع رؤية ولي العهد، ووصول رأس المال البشري إلى العالمية، ينبغي أن يقودوا هذه الجهود، مستثمرين خبراتهم الواسعة في تحقيق التأثير الإيجابي على قطاع التعليم.

ريم فالح

كاتبة اجتماعية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى