المقدمة
إن تطور العلاقات السعودية الإيرانية من الصراع إلى التقارب يُعد أحد أبرز التحولات السياسية الخارجية في الشرق الأوسط في السنين الأخيرة، ويعتبر فرصة تاريخية لتخفيف الصراعات وإنهاء الخلافات في المنطقة الإقليمية، وهي فرصة للدول لنشر السلام والأمن والانشغال بالتطوير الداخلي، وجعل المنطقة أكثر ازدهارًا، وكل ذلك سيتم بمساعدة الصين، وطرحها للفرص الاقتصادية والاستثمارية المغرية مثل طريق الحرير.
طريق الحرير
هو الرابط التجاري والاقتصادي الذي يربط بين دول أوروبا والصين في الوقت السابق، وتسعى الصين لإعادة هذا الطريق عن طريق مشروع «الحزام والطريق»، ويمر الطريق بالشرق الأوسط، وتعتبر السعودية وإيران من الدول البارزة والرئيسية التي يمر منها الطريق، ويُعتبران بمثابة البوابتين الرئيسيتين للعبور إلى منطقة الأسواق العالمية، وتسعى كلّ من الدولتين السعودية وإيران إلى استغلال مرور الطريق خلالها.
لماذا تدخلت الصين بين السعودية وإيران؟
من الصعب تحديد سبب رئيسي ودقيق لتدخل الصين في الصلح بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران، ولكن يمكننا ذكر بعض العوامل التي أدت إلى تدخلها كوسيط بين الطرفين:
أولًا: العامل الاقتصادي؛ فالصين تُعدّ من أكبر المستوردين للنفط في العالم، وتعتمد بشكل كبير على النفط الخليجي والإيراني، ولذلك تسعى الصين للحفاظ على المنطقة والاستقرار وتجنّب الصراعات التي يمكن أن تؤثر على استقرار النفط؛ وذلك نظرًا للموقع الجيوسياسي الحساس؛ فالسعودية وإيران تتمتعان بموقع استراتيجي مهم وحسّاس في المنطقة، وتعتبر الدولتان مناطق حساسة لدى الصين؛ لأنهما يعتبران بوابات الوصول للصين إلى الشرق الأوسط وأوروبا وإفريقيا.
ثانيًا: الظهور بمظهر المُحِبّ للسلام؛ حيث تسعى الصين إلى تعزيز صداقاتها، وتحسين صورتها أمام المجتمع الدولي، وتدرك بأن صلحها بين دولتين مثل السعودية وإيران سيعزّز من سُمعتها، وهو ما يساعدها في تحقيق هدفها، وهو محاولة الدخول لمنطقة الشرق الأوسط، فالصين تحاول الدخول للشرق الأوسط لمواجهة النفوذ الغربي والأمريكي لتأمين مصالحها وتطوير علاقاتها مع الدول الإقليمية مثل السعودية وإيران.
ثالثًا: تعزيز صورتها كقوة عظمى:
تحاول الصين أن تفرض نفسها كقوة عالمية مؤثرة في الشرق الأوسط والعالم من خلال زيادة الأنشطة الدبلوماسية والاقتصادية في المنطقة، وبشكل عام فإن الصين تَعتبر أن الصلح بين المملكة العربية السعودية وإيران يساعد على استقرار المنطقة، واستقرار وضمان مصادر الطاقة وإمدادات النفط لتلبية حاجتها، ويساعد ذلك على تحقيق أهداف الصين الاقتصادية التي تسعى لها.
ماذا تحتاج الصين لإنجاح المشروع؟
في بداية الأمر تحتاج الصين موافقة الدول للانضمام للمشروع، ولحُسن الحظ فجميع الدول التي سيمر من خلالها طريق الحرير مُوافِقَة على الانضمام ومُرحِّبة به، وذلك لعوائده الاقتصادية، ولا أظن أن هنالك دولة لا ترغب في الانضمام والاستفادة.
بعد ذلك يجب توفير البنية التحتية والطرق والموانئ؛ فيجب توفير طرق بحرية وموانئ لنقل البضائع بسهولة، ولذلك تعمل الصين بشكل قوي على تطوير البنية التحتية لدول أخرى أيضًا؛ وذلك ما يسهّل عملية إنجاح طريق الحرير.
والأهم من ذلك هو الأمن والأمان؛ فالصين حريصة كل الحرص على توفير الأمن والاستقرار السياسي في جميع المناطق التي سيمر من خلالها طريق الحرير؛ وذلك لسلامة المشروع وإنجاحه، وتعتقد الصين أن الولايات المتحدة ستحاول إعاقة هذا المشروع والضغط على الدول المُشارِكَة فيه.
المستفيد الأكبر من الصلح السعودي الإيراني
لنتساءل من هو أكثر طرف مستفيد من الصلح السعودي الإيراني؟ من وجهة نظري أن الصين هي المستفيد الأكبر؛ وذلك بتنفيذ مشروعها، وباعتقادي أن هذا هو السبب الأكبر لتدخلها.
المصلحة السعودية:
نرى أن السعودية ترغب في أن تكون من الدول المستفيدة من طريق الحرير؛ وذلك لعدة أسباب؛ من أهمها أن السعودية تُطل على ثلاثة من أهم المناطق المائية بالعالم؛ “البحر الأحمر، الخليج العربي، باب المندب”؛ وهي تُشكّل ما يقارب ١٣٪ من تجارة العالم.
وأيضًا من فوائد الصلح: أن إيران سترفع الدعم عن الميليشيات الحوثية في اليمن، ومن المفترض بعد ذلك أن الحديقة الخلفية للسعودية سيتم تأمينها، وأيضًا من المفترَض إيقاف الهجمات الإيرانية التي تتعرض لها السعودية من الحرس الثوري على المنشآت النفطية، وأما الفائدة الأخيرة فهي أن مشروع طريق الحرير ليس مجرد أموال لخزينة الدولة فقط، بل سيتم إنشاء مناطق صناعية وتطوير الموانئ والمناطق اللوجيستية؛ لاستيعاب حجم البضائع، وذلك ينعكس إيجابًا على السعودية؛ فذلك يتماشى مع أهداف رؤية المملكة ٢٠٣٠ بجعل السعودية دولة منتجة وصناعية، بدلًا من كونها نفطية فقط، وغير ذلك فقد يساعد الصلح على الاستقرار الإقليمي في المنطقة، وهذه فائدة تشترك فيها كلّ الدول المحيطة؛ فالصلح سيزيد من الاستقرار والسلام في المنطقة.
المصلحة الإيرانية:
ستستفيد إيران من الصلح من العامل الاقتصادي أولًا؛ بتخفيف العقوبات المفروضة عليها من أمريكا، وستحاول تعويض العقوبات بالعلاقة مع الصين والسعودية وطريق الحرير، ومن أمثلة ذلك أن الصين تقبل بالنفط الإيراني الذي فرضت أمريكا عقوبات عليه، وأما عن طريق الحرير فإن إيران إحدى أبرز الدول التي سيمر من خلالها طريق الحرير، وتستطيع إيران استغلال مرور طريق الحرير بتوسيع التبادل التجاري مع الصين ودول الشرق الأوسط وأوروبا، وأيضًا زيادة وارداتها من الدول التي سيمر من خلالها طريق الحرير.
ويمكن أيضًا أن تعمل إيران على تطوير اقتصادها، وبالأخص في الجانب اللوجيستي، واستغلال الموقع وتطوير الموانئ، وذلك ما يفتح بابًا للمستثمرين، وأيضًا للسياح، وبالذات في المدن التي سيمر من خلالها وهي “مشهد، طهران، أصفهان”، ويمكن لإيران أن تستفيد من السعودية عبر التعاون الاقتصادي والسياحي، وقد تُقدّم المملكة فرصًا اقتصادية لإيران، وأيضًا في الشأن الإسلامي يمكن لإيران أن تستفيد من السعودية بتعزيز الشؤون الإسلامية في مجال الحج والأماكن المقدسة.
في الختام:
يمكننا القول بأن تحسين العلاقات الدولية، وبالأخص بين السعودية وإيران هو أمر مهمّ للمنطقة واستقرارها الإقليمي، ونتطلع أيضًا للمزيد من التعاون بين البلدين، وتخطي التحديات، وتعزيز التبادل التجاري والاقتصادي والثقافي، وذلك ما يساعد في تنمية وازدهار المنطقة ككل، وذلك تطبيقًا لمقولة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، إلى أن الشرق الأوسط سوف يكون «أوروبا الجديدة».