السَّمَاجَةُ لفظةٌ تعارف عليها قومنا لتُطْلَقَ على كل (ثقيل دمٍ) يستظرف نفسهُ، أو يفرض نفسه، بقولٍ أو فعلٍ خارجٍ عن الطِّراز، مثيرٍ للاشمئزاز؛ فيُقال: فلانٌ سامج.
وإذا ما بحثنا عن اللفظةُ في معاجم اللغة، وجدناها ذاتَ أصلٍ لُغويٍّ فصيح؛ فهي تعني (القُبٰحَ والرداءة). ولَعَمْري ما أكثر السَّامجين ما دام الأمر كذلك؛ ففي علاقات العمل لابد وأن تبتلى بأحدهم، وعلى مستوى الصداقات ربما لا تستطيع حصر عَدَدِهِم، وتَلِجُ إلى وسائل التواصل فتجدهم قد خيَّموا هناك بعتادهم وعُدَدِهِم، ولا تكاد تفر، أو تحاول أن تستقر، حتى يطاردك أحدهم بالرسائل الهاتفيَّة، أو يَظْهَرَ لك على شاشة التلفاز، أو عبر محطَّةٍ إذاعيَّة، ولا تستغربوا حديثي يا سادة؛ فقد تعثَّر سمعي بأحدهم وأنا أديرُ موجات الإذاعة، ووقعتُ على كمٍّ كبيرٍ من الوضاعة والفظاعة؛ فبدلًا من الخبر الجديد، أو القول المفيد، راح صاحُبنا يُحَدِّثُ زميلهُ المشارك، عما جرى للثَّتِهِ من جروحٍ وهو يأكل ثمرة الأناناس، ضاربًا عرض الحائط بالحديث الذي يرضي ذوائق الناس، وأظنه -من خلال ما سمعت- أخذ يفتِّشُ عن تلك الجروح، وما أصاب لثَّتهُ من قروح، ويري الزميلََ شدقه المفتوح، متكلِّمًا بطريقةٍ سوقية، تتخلُّلها بين الحين والحين ضحكاتٌ همجيَّة، ظنًّا منه أن ذلك الأسلوب جاذبٌ للمستمعين، مُكْثِرٌ عددَ المتابعين. والحقُّ أن كثيرًا ممَّن يشاركونه المجال، حظوا بمُرادِهِم من النوال، لا بالسَّذاجة والسَّماجة، بل بمقوِّمات المقدِّم البارع؛ من لباقةٍ، وثقافةٍ، وجودة طرحٍ، بعيدًا عن أساليب الشارع؛ فدَامَ لبرامجهم الحضور، وأقبل على متابعتهم الجمهور.
ولي في نهاية هذا الحديث وقفةٌ مع المسؤولين في وزارة إعلامنا الموقرة، ورجاءٌ بأن يكون لبعض ما يُطرَحُ في وسائلها فلترة، سواء على مستوى الموضوع، مقروءًا كان، أو مشاهدًا، أو مسموع، أو على مستوى الأشخاص؛ فغيرُ صاحبنا كثيرٌ ممن لا يحمل في جعبته الكثير، ارتدى عباءة الرداءة، وسعى إلى الظهور، وإبراز اسمه المغمور، من خلال ما يلوِّثُ الأسماع، ويجلبُ الصداع، أو يستثير النزعة والنزاع، غير مكترثٍ بذائقة، ولا مبالٍ بعبارةٍ لائقة.
ولنا الحقُّ في أن نُضَيِّق على السماجة الحدود، ونبقيها في نطاقٍ ضيِّقٍ محدود؛ فلم أجد سواها باعثًا على قِلَّةِ الرَّاحة، ولكُمْ أنتم أن تُحدِّثوا عن معاناتكم بكل صراحة.
0