المقالات

“ذاكرة السمكة” وقصة مبتعثي كورونا: ملحمة الإصرار والتحدي!

هل تتذكر ذلك الشعور الذي يُصيبك عند نسيان شيء مهم؟ ماذا لو كان هذا النسيان هو السمة المميزة لحياة المخلوقات البحرية؟

في عالمنا اليوم، نشهد قصة مدهشة من بعض المؤسسات التعليمية الذين قرروا نسيان فترة من الزمن حرصت المملكة فيها على تأمين صحة وسلامة الطلاب المبتعثين والسعوديين بالخارج، ومتابعة شؤونهم، وتقديم الدعم المالي والتأمين الطبي وبدلات العلاج وغيرها من المعونات.

بادرت سفارة المملكة بتأمين فندق لإيواء المواطنين العالقين، وتوفير كافة الرعاية والخدمات لهم. تأتي هذه المبادرات الإنسانية والوطنية من المملكة السعودية ضمن رؤية المملكة 2030، التي تهدف إلى تعزيز الهوية الوطنية والنهوض بالمجتمع وتحقيق التنمية المستدامة. تجسد هذه الأزمة القوة والتضافر بين المؤسسات الحكومية والجهات المعنية، مما ينمّ عن تكاتف المملكة وشموليتها في مواجهة الصعاب والتحديات. تتيح هذه الأزمة فرصة لتسليط الضوء على قدرات مؤسسات المملكة في إدارة الأزمات والعمل المهني. بفضل الله ثم بالتعاون الحكومي المتكامل، تمكّنت المملكة من مكافحة انتشار الفيروس بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

كانت سفارات المملكة ووزارة التعليم أيضًا أطرافًا نشطة في هذه الجهود الوطنية، ولعلنا نعرج على معاناة مبتعثي كورونا بعد كورونا؛ فأثناء الجائحة، قرر بعض الموظفين المبتعثين الصمود والبقاء في الخارج لإكمال دراستهم، خاصة أولئك الذين يدرسون مع مرافقيهم في الجامعات والمدارس وفي هذا السياق، تم تقسيم مبتعثي الجامعات إلى قسمين. القسم الأول، الذين لا يحتاج تخصصهم لزيارة المعامل أو إجراء التجارب، تفوقوا في هذه الظروف الطارئة، حيث استطاعوا تحقيق إنجازات كبيرة والحصول على الدرجة العلمية والعودة إلى الوطن، بفضل التكنولوجيا والتواصل عن بُعد. أما أصحاب التخصصات التي تعتمد على الزيارة المعملية وإجراء التجارب، فقد تأثروا بشكل كبير خلال فترة الانقطاع عن المعامل.

فالجامعات والمؤسسات الأكاديمية أغلقت بالكامل، وأصعبها التي أغلقت أبوابها لمدة 21 شهرًا في بعض الدول مع حظر التجول، وكان من الصعب توفير التقنيات اللازمة للبث المباشر والتعلم الإلكتروني في مختلف التخصصات التي تستوجب الحضور للمعمل وعمل التجارب.

ونجد بعض المؤسسات بعد الجائحة أنها اتخذت قرارات صارمة بإيقاف بعثات المبتعثين وإعادتهم للوطن قبل إتمام دراستهم، متناسين الجهود الكبيرة التي قامت بها السعودية خلال هذه فترة الجائحة. ويتم محاسبة المبتعثين بطريقة غير عادلة وبأثر رجعي، مما يتعارض مع تاريخ السعودية والتي حرصت دائمًا على كرامة وسلامة المواطنين. بعض المبتعثين أجبروا على العودة إلى أرض الوطن بسبب قرارات إنهاء البعثة وانقطاع السبل المالية وعدم إمكانية الحصول على التأمين الطبي وتحمل مصاريف الجامعة والإيجار بسبب قوانين الهجرة، ولعودتهم أرغموا بالانخراط في الأعباء الأكاديمية وعدم القدرة على إتمام ما بدأوه، وبعض المبتعثين يطلبون الإجازات بدون رواتب للمكوث في مقررات البعثات ويعيشون على برامج المساعدات التغذوية والتأمين الصحي الحكومي، ويسكنون في أحياء ذات تكاليف منخفضة وأمان أقل.

وتذكر حالات الطلاب الذين تعرضوا للخطر في تلك الأحياء، مما يُثير الندم بشأن اختيارهم للوظيفة الأكاديمية والتقلبات في رواتب وبدلات الأعضاء التي تُمثل أكثر من نصف الراتب وصعودها ونزولها حسب توجهات الجامعة في ترشيد الإنفاق. تحدث سمو الأمير محمد بن سلمان عن أهمية الشغف في اختيار الأشخاص، وهو ما ينطبق بشكل خاص على المبتعثين الذين يسعون جاهدين للعودة للإنتاج والمساهمة في نهضة الوطن. لذلك، ينبغي على المؤسسات التعليمية في المملكة أن تتعامل مع هذا الشغف بطريقة مثالية، وتقدم للمبتعثين الدعم اللازم لإكمال دراستهم بنجاح والعودة إلى بلادهم مجهزين بالمعرفة والخبرة اللازمة.

ولذلك، يجب أن نتعلم من درس كورونا الكثير من الرحمة والتعاون والدعم المتبادل. ونحن بحاجة إلى دعم وتشجيع المبتعثين، لأنهم جزء مهم من رصيد الوطن ومن سيساهمون في بناء مجتمعاتنا. ولذلك، ينبغي على المؤسسات التعليمية في المملكة أن تُعيد النظر في سياساتها تجاه المبتعثين وتعاملهم بطريقة إنسانية وعادلة، وتمكينهم من إكمال دراستهم بنجاح والعودة إلى بلادهم، مجهزين بالمعرفة والخبرة اللازمة لتطوير مجتمعاتهم، ويجب علينا جميعًا دعمهم وتشجيعهم على العودة للإنتاج والمساهمة في نهضة بلادنا، فهم الشغف والطاقة التي نحتاجها لتحقيق التقدم والنمو. بعد سنوات من البحث والتحدي، تمكن الباحثون أخيرًا من فهم ذاكرة الأسماك؛ حيث تبين أن ذاكرتها تحتفظ بالأحداث بشكل دائم، ولا تفقدها عند انتهاء الزمن. تعزز هذه المعرفة الأمل وتوجه أولوياتنا، فنحن لا ننسى الأحداث، ولذلك يجب علينا جميعًا دعم المبتعثين وتقديم الدعم لهم في جميع المراحل من الابتعاث، وخاصة من تزامن ابتعاثهم في فترات الجائحة. إذا كان هناك شيء يجب أن نتعلمه من جائحة كوفيد-19، فهو أنه يجب أن نهتم بصحة وسلامة الطلاب والطالبات المبتعثين وعائلاتهم في جميع أنحاء العالم.

وختامًا: إذا أردنا تحقيق تطورات جديدة في مجتمعاتنا، فعلينا دعم وتمكين المبتعثين والعلماء والباحثين لمواصلة عملهم واستكشاف المجهول. فالمعرفة هي القوة، وهي ما يمكننا من تحقيق التقدم والنمو في جميع المجالات.

ريم فالح

كاتبة اجتماعية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى