المقالات

سفيرا وممثلا الوطن “ريانة” و”القرني”.. يُحلقان بالسعودية عاليًا في الفضاء الرحب

الأولويات والمُنجزات السعودية المُبهرة لا تزال تتواصل، وبلادنا الغالية لا تزال تتصدّر المشهد العالمي، في مختلف المجالات ومنها مجال “الفضاء”، وذلك بانطلاق “أول رائدة فضاء سعودية وعربية ومسلمة “ريانة برناوي”، إلى الفضاء مؤخرًا، برفقة رائد الفضاء علي القرني، الذي بدوره يُعد أول رائد فضاء سعودي يصعد إلى محطة الفضاء الدولية، في مُهمةٍ تاريخيةٍ لخدّمة البشرية، تحمل آفاقًا واعدة لاستكشاف الفضاء، وبهدف تشجيع البحوث العلمية، وأداء بعض المهام العلمية، وذلك ضمن إطار برنامج المملكة لروّاد الفضاء، لبناء القدرات الوطنية في مجال الرحلات العلمية إلى الفضاء، والاستفادة من الفرص الواعدة التي يُقدِّمها قطاع الفضاء وصناعته عالميًّا، ولتُمثِّل هذه الرحلة الفضائية حدثًا تاريخيًّا مُهمًّا للسعودية، ولتُدشِّن مرحلة جديدة لبلادنا في مجال الفضاء، الأمر الذي يُدلِّل عمليًا على علو كعب مملكتنا الغالية، وتقدم هذه الأرض الطاهرة، التي أنجبت أوّل رائد فضاء مسلم، ولتخرج منها مؤخرًا كذلك؛ أوّل رائدة فضاء عربية مسلمة.
هذه الرحلة الفضائية العلمية التي انطلقت بتاريخ 21 من شهر مايو الجاري إلى محطة الفضاء الدولية (ISS)؛ والتي شارك فيها سفيرا وممثلا الوطن “ريانة” و”القرني”، تأتي ضمن برنامج المملكة لروّاد الفضاء الذي تم إطلاقه في 22 سبتمبر 2022م، وتتضمّن إجراء 11 تجربة علمية رائدة في الجاذبية الصغرى، وثلاث تجارب توعوية تعليمية يُشارك فيها 12 ألف طالب في 42 موقعًا بالمملكة عبر الأقمار الاصطناعية، في لحظة حاسمة من شأنها أن تُسهم في بناء جيل جديد من القادة والمستكشفين والعلماء السعوديين، وترفع مكانة المملكة بصفتها مركزًا للأبحاث، علاوةً على إلهام الأجيال في الوطن العربي، إلى آفاق جديدة تُساعد البشرية على الاستفادة من التجارب في الفضاء”، وتحقيق تنمية طويلة الأجل في استكشاف الفضاء، والعمل على الأبحاث العلمية في الجاذبية الصغرى لخدمة العلم والبشرية, وتأهيل كوادر سعودية مُتمرسة لخوض رحلات فضائية للمُشاركة في التجارب العلمية والأبحاث الدولية والمهام المستقبلية المتعلِّقة بالفضاء، وهو ما ينعكس إيجابًا على مستقبل الصناعة والوطن، وزيادة اهتمام الخريجين في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وتنمية رأس المال البشري، من خلال جذب المواهب وتطوير المهارات اللازمة، وهو ما يعزز دور المملكة في البحوث في خدمة الإنسانية في الوقت الذي ستُعزِّز فيه نتائج هذه الأبحاث، مكانة المملكة عالميًّا في مجال استكشاف الفضاء، وخدّمة البشرية، وتؤكد دور مراكز الأبحاث السعودية، في إحداث تأثير في عدد من المجالات ذات الأولوية، مثل “الصحة”، و”الاستدامة”، و”تقنية الفضاء”، بما يُسهم في تحقيق أهداف رؤية السعودية 2030.
كما أنّ استقبال سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، رئيس المجلس الأعلى للفضاء، لرائدي الفضاء السعوديين ريانة برناوي، وعلي القرني، يُمثّل أكبر عامل داعم ومُحفِّز لهما، حيث هنأهما سموّه الكريم – حفظه الله – على اجتيازهما بنجاح البرنامج التأهيلي، منوهًا بدور قطاع الفضاء كأحد القطاعات المُساهمة في تعزيز تنافسية المملكة دوليًا، وأهمية استكشاف الفضاء لخدّمة العلم والإنسانية، كما أكّد سيدي سمو ولي العهد – رعاه الله – خلال حديثه لروّاد الفضاء، على أنهم يُمثلون قدرات الشعب السعودي وطموحاته في الإسهام بالابتكارات وأبحاث الفضاء، لإيجاد حلول مُستدامة لخير البشرية، وتمنى لهما التوفيق في هذه الرحلة العلمية، والعودة الآمنة إلى أرض الوطن، مشيرًا إلى الآمال الكبيرة المعقودة عليهما، كسفيرين ومُمثلين للوطن في محطة الفضاء الدولية.
ممّا لا شكّ فيه؛ أنّ إطلاق هذه المهمة، يُجسِّد عصرًا جديدًا للمملكة في مجال استكشاف الفضاء، كما تُمثِّل علامة فارقة لحدثين تاريخيين، حيث تُعدُّ المهمة الأولى لامرأة سعودية في الفضاء، الأمر الذي يؤكِّد التقدّم الذي تحرزه المرأة في المملكة في مختلف القطاعات، كما أنها المرّة الأولى لفريق سعودي عربي يعمل في محطة الفضاء الدولية. وللتحضير لهذه الرحلة؛ خضع كلٌّ من ريانة برناوي وعلي القرني، لبرنامج تدريبي خاصّ مكثف، تضمن تدريبهما على البرامج والعمليات التشغيلية في محطة الفضاء الدولية، وإجراء العديد من التدريبات في مركزي الأبحاث الياباني والأوروبي في شهري يناير وفبراير الماضيين، إضافة إلى التدريب على المهارات الاستكشافية في مقر شركة “سبيس إكس”، في مدينة هوثورن، بولاية كاليفورنيا, والذي أثبت أنهما يتمتعان بمهارات وخبرات وقدرات كبيرة، ولياقة بدنية عالية، ومرونة عقلية، تمكنهما من التكيف مع بيئة الفضاء، كما أنهما أثبتا كفاءة استثنائية في مجالات مختلفة، مثل: الهندسة، والروبوتات، وأنظمة دعم الحياة، للانطلاق في هذه الرحلة، التي تُعدُّ مهمة خاصّة تُنظمها شركة “أكسيوم سبيس”، إلى محطة الفضاء الدولية، وليُدشِّن حيثُ انطلق الصاروخ “فالكون 9” من إنتاج “سبيس إكس”، الذي يُقل عند الساعة 17:37 (21:37 بتوقيت غرينتش)، من مركز كينيدي الفضائي في ولاية فلوريدا الأمريكية، ويضم الطاقم أيضًا بيغي ويتسن رائدة الفضاء السابقة في وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا)”، التي توجهت إلى المحطة الدولية 3 مرات من قبل وستتولى قيادة المهمة، ورجل الأعمال الأمريكي جون شوفنر الذي سيقود المركبة، وسيقضي هذا الطاقم 10 أيام على متن محطة الفضاء الدولية.
هذا المُنجز العلمي الكبير، يُضاف لما حقّقته بلادنا الغالية من إنجازات مشهودة في هذا المجال في السابق، والتي حازت قصب السبق في مجال رحلات الفضاء، وأسهمت إسهامات مُقدّرة في دعمها وتطويرها، وتركت أثرًا ملموسًا وبصمات واضحة في مجال الفضاء، وإثراء التجارب العلمية التي تخدم البشرية، ودعم جهود استكشاف الفضاء، وتشجيع البحوث العملية في هذا المجال، وتعزيز أدوار أبناء الوطن وبناته، في برامج الفضاء ومجالاته من العلوم والتقنية، وذلك منذ صعود صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، أوّل رائد فضاء عربي، وأوّل رائد فضاء مسلم، إلى الفضاء في العام 1986م، لتملك مملكتنا العزيزة بهذا المُنجز وبعده، نماذج وطنية مُشرِّفة منذ ذلك الوقت، عملت جاهدة لتحقيق إنجازات يُشار إليها بالبنان، على مختلف المستويات المحلية والإقليمية والدولية، ولتعزيز مكانتها في السباق العالمي نحو الفضاء واستكشافه، ورفع موقعها في خارطة الدول التي تتسابق إلى الفضاء وتستثمر في علومه المُختصّة، حيثُ إن رحلات الفضاء المأهولة، تُعتبر مقياسًا مُهمًا لقياس درجة تفوق الدول وتنافسيتها عالميًّا في كثير من المجالات، مثل “التقدّم التقني والهندسي والبحث العلمي والابتكار، لتحقيق مُستهدفات رؤية 2030، التي تسعى إلى إبراز دور المملكة في قطاع الفضاء وتقنياته، ولمواكبة الطفرة والتحوّلات التقنية والرقمية الكبرى، التي عمت كل أرجاء الوطن.
وليُمثِّل تأسيس “الهيئة السعودية للفضاء”، بموجب أمر ملكي في ربيع الآخر 1440هـ الموافق لديسمبر 2018م، خطوة رائدة نحو مستقبل أكثر ابتكارًا وتطلعًا لأحدث التقنيات والفرص في قطاع الفضاء السعودي، والتي من جهتها أطلقت في وقت سابق، برنامج المملكة لروّاد الفضاء، ضمن حزمة مُتكاملة، بهدف تأهيل كوادر سعودية متمرسة لخوض رحلات فضائية، والمشاركة في التجارب العلمية والأبحاث الدولية والمهام المستقبلية المتعلقة بالفضاء، ولتتوافق أهداف هذه “الهيئة”، مع تطلعات المملكة نحو حياة أكثر جودة وتقدّم، من خلال خلق بيئات أفضل وأكثر أمانًا لمواطنيها، مع خلق فرص جديدة، لمزيد من الابتكارات المربحة الداعمة للاقتصاد السعودي، وذلك من منطلق أنّ استراتيجية “الهيئة السعودية للفضاء”، تقتضي وضع مجموعة من الأهداف الأوّلية، التي تخدم مصالح الأمن الوطني، وتحميه من المخاطر المتعلِّقة بالفضاء، وتُشجِّع النمو والتقدّم، ومن أدوارها التي تتلخّص في قيادة قطاع الفضاء، عن طريق وضع السياسات والاستراتيجيات الوطنية العامّة، ومتابعة تنفيذ السياسات والاستراتيجيات الوطنية، ومهامها المُتعدِّدة، التي منها تنمية الكوادر الوطنية في مجال علوم الفضاء ودعمها، وتنظيم كل ما له صلة بقطاع الفضاء وتطويره، وتشجيع الأنشطة البحثية والصناعية المتصلة بالفضاء وتحفيزها، وتمثيل المملكة في المحافل الدولية ذات الصلة بقطاع الفضاء، وغيرها من مهام.
سدّد الله خطى الجميع، لما فيه خير العباد والبلاد، والله ولي التوفيق،،،

* الملحق الثقافي بسفارة خادم الحرمين الشريفين لدى تركيا ودول الإشراف

د.م فيصل بن عبدالرحمن أسره

أستاذ الهندسة البيئية والمياه المشارك، بكلية الهندسة والعمارة الإسلامية بجامعة أم القرى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى