إن الارتحال في طلب العلم هو مَزيدُ كمال في التعلم، هكذا قال ابن خلدون في مقدمته الشهيرة.
غادرت إلى جامعة أوهايو الحكومية، بمدينة (كليفلاند) الأمريكية؛ لحضور دورة في تعلم اللغة الإنجليزية مدتها ثلاثة أشهر، كان ذلك في بداية القرن الهجري الحالي.
فور وصولي قمت بشراء دراجة نارية مستعملة لمساعدتي في التنقل بين سكني الواقع بالقرب من جادة يوكلد (Euclid Avenue)، ومقر الجامعة الواقع في الجزء الشرقي من المدينة. في إجازة نهاية الأسبوع ذهبت إلى منطقة بحيرة إيري (Eary Lake) في شمال مدينة كليفلاند، كان بها متنزه كبير يعج بسكان المدينة والزوار، ويوجد بها مطاعم للوجبات السريعة ومقاهٍ وأماكن ترفيه.
وأنا أنظر حولي مندهشًا حيث إني لم أكن متعودًا على هذا النوع من التجمعات، في الأثناء شاهدت شخصاً يُلَوِح لي بيده من داخل أحد محلات بيع الوجبات السريعة، ذهبت إليه وإذا به مهاجر عربي من أصول فلسطينية كنيته (أبو محمود) من مواليد مدينة بيت لحم بفلسطين المحتلة، يملك محلًا لبيع الكباب والكفتة والمياه الغازية، وبعد أن عرفته بنفسي وأني من بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية، ومن أبناء مكة المكرمة في دورة لدراسة اللغة الإنجليزية.
عرض علي (أبو محمود) مساعدته في أعمال بيع الوجبات السريعة مساء يوم الجمعة ويومي السبت والأحد مقابل خمسة دولاراتٍ عن كل ليلة بما مجموعه خمسة عشر دولارًا في نهاية كل أسبوع، مع وجبة طعام للعشاء وأخرى آخذها معي للسكن.
اتصلت بالوالد -رحمه الله- وشرحت له الأمر، شجعني وقال -رحمه الله-: «جيد توكل على الله وخليك رجّال».
عملت مع ذلك الشخص الذي كان يعاملني معاملة جيدة لمدة ثلاثة أشهر تقريبًا تعلمت فيها الكثير، كان العم (أبو محمود) حريصًا ولطيفًا معي ويعاملني معاملة الأب لابنه، أذكر أنه عرض عليَّ غير مرة البقاء في مدينة كليفلاند بولاية أوهايو بعد انتهاء الدورة، كان هو في الخمسينيات من العمر وحديث الزواج من امرأة أمريكية.
لقد منّ الله علي بهذه التجربة الجميلة، والتي بسببها لم أصرف أي مبلغ مما كان معي، إضافة لاكتسابي الكثير من الخبرات في فن التعاملِ مع الآخرينِ، كما أن لغتي تحسنت كثيرًا بفضل هذه التجربة، وبفضلها أصبحت أجيد عمل الكباب والكفتة.
بقيت على تواصل مع العم (أبو محمود) بعد عودتي للمملكة والذي أعتبره أستاذي في الغربة. بعدها بسنوات تلقيت اتصالًا هاتفيًا من زوجته في أمريكا تخبرني فيه بأن أبا محمود قد اختاره الله إلى جاره -رحمه الله- رحمة واسعة.
0