تطل علينا المدينة بمدنية باهتة فاقدة لكل طعم للحياة، وتصدر لنا مصطلحات وتقليعات سرقت معها وجه القروي وسجيته ولهجته الأصيلة.. هذه المصطلحات التي تحاول أن تبعد هذا القروي عن مفرداته الجميلة القديمة الجديدة.. لكن يظل هذا القروي مذهولا من هذه المصطلحات الدخيلة التي لا يوافق لفظها معناها حركيا ولا معنويا.. مصطلحات سوقية دخيلة صنعتها وسائل التقاطع المسروق.. مصطلحات يقف هذا القروي حائرا أمامها وكيفية التعاطي معها.. يحاول أن يلغيها من قاموسه الريفي الساحر البسيط وإن كثرت الضحكات حوله وهو يحاول أن يستسيغها لفظاً دارجاً فلم يتقبلها فما كان منه إلا رفضها جملة وتفصيلا !
هذه المصطلحات ترافق تقليعات الشعر واللباس غالبا فتعطي هذا القروي الحكم عليها بهشاشة هذه الموضات الخرقاء التي لا تقيم للأصالة والتراث والاحترام والتعامل وزنا.. وباتت تشكل المدنية شبحاً يحاول أن يزعزع كيان هذا القروي وأصالته وليس أدل على ذلك من هذا الانفلات التقني الذي يشاهد في كل مكان، وفي كل زمان والذي عصف بكل أحلام القروي الجميلة.. فباتت الأشياء من حوله ذكرى ماض أليم يحاول أن يعيدها لذاكرة الحاضر المكلوم بتقنية لا تعرف فن التواصل إلا من خلال برامج مفتعلة مبتذلة تقدم صاحبهـا بطريقة ساذجة عن طريق يوميات مصابة بالسعال الديكي أو محاولات البحث عن الشهرة الشاردة عن أولئك الذين يظهرون أنفسهم من خلال مشاهد فرقة شعبية بائسة أو شيلات مهايطية أو ممارسة رياضة أو أطباق الأكلات.. تصوير لكل تفاصيل حياتها لتهديها للغير تحت مسمى متابعة معجبين أو محبين متميلحاً بداء الظهور الدائم الذي لا يسلم منه حتى الجالسين معه وحتى لا تكون بعيدة عن الواقعية فالكثير ربما لا يتابعها وإن تابعها فهي موطن السخرية الدائم وربما تكون حديث المجالس والنكات يبقى هذا القروي البعيد عن هذا الانفلات غير المحسوب يمارس طقوسه بحنكته الضاربة في جذور السنوات المليئة بالخبرات والتجارب.. والتي يراها من ترهات الحداثة وخزعبلات التقنية الخرقاء فتجده يضحك بخبث على كل هؤلاء المندفعين في عالم التقليعات ؛ لأنه يدرك أنها زوبعة فنجال سرعان ما ترحل وتحل غيرها وما زال أولئك يلهثون خلفها كي يحاولوا أن يملأوا فراغهم النفسي والفكري .
ومضة :
يمتطي برامج التواصل الاجتماعي «social media» بدرجة مهووسة خارجة عن المألوف فتظهر تصرفاته الرعناء وبعد أن يعود لمقاطعه «المراهقة الاجتماعية» يكتشف الحقيقة التي بعثها لهم بديع الزمان الهمذاني بقوله :
سوف ترى إذا انجلى الغبارُ
أفرس تحتك أم حمارُ ؟