المقالات

شذرات مكية (١-١٠)

لقد حظيت “مكة” بموقع جغرافي فريد ذلك أن وقوعها على تخوم جبال السراة، وعلى أطراف تهامة، جعلها في بيئة جغرافية ممتازة، وأصبحت مُلتقى الطرق التجارية البرية عبر الجزيرة العربية من شتى الجهات الأربع، كان لذلك أثر كبير في حياتها الاقتصادية؛ حيث احتلت مكان الصدارة في الميدان التجاري منذ أقدم العصور، وغدت محطة تجارية مهمة تتوقف فيها القوافل للراحة والبيع والشراء من ناحية، وكي تتزوّد بالماء والمؤن من ناحية أخرى لتستأنف رحلتها، وعلى الرغم من كونها (بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) (إبراهيم: 37)
كان للنشاط التجاري أثره في أن يجلب إليها ثمرات كل شيء؛ ولهذا نرى الأقوات والثمار وسائر أصناف البضائع والسلع متوفرة فيها، ولا يقتصر وجودها على وقت الحج بل لا تكاد تنقطع طول العام.

كما أنها تتمتع بمكانة عظيمة في نفوس المسلمين فهي مهبط الوحي، وفيها بزغ شعاع الإسلام حينما بعث النبي -عليه الصلاة والسلام- برسالة التوحيد، وقد كرّمها الله -سبحانه وتعالى- بأن خصها بالبيت الحرام فقال عز وجل: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ) (آل عمران: 96)، ويندر أن يكون لمكان ما في العالم ما لمكة من تداعيات تاريخية ونفسية غير محددة، فقد تركزت حولها أحاسيس ومشاعر مئات الملايين من مسلمي العالم؛ فهي قبلتهم إلى يوم الدين يتجهون إليها في صلاتهم أينما كانوا ومهما تباينت لغاتهم، واختلفت ألوانهم وأجناسهم.
ولعب العامل الديني دورًا مهمًا في تاريخ مكة الاقتصادي؛ فكان وجود الكعبة الشريفة أكبر الأثر حيث يقصدها ملايين من المسلمين كل عام في موسم الحج. مما أدى إلى نشاط البيع والشراء بين الحجاج القادمين إليها بمختلف البضائع من كافة أنحاء العالم الإسلامي.
كذلك مما زاد في أهمية مكة التجاري هو قُربها من ميناء جدة الواقعة على ساحل البحر الأحمر؛ فالمسافة بينهما لا تزيد على أربعين ميلًا؛ على أن مكة المكرمة التي كانت وما تزال أهم مدن الحجاز، والتي ازدهرت ونمت وأصبحت قاعدة اقتصادية تجارية انفردت بميزات دينية وتجارية، ولعبت دوراً هاماً في حياة مكة الاقتصادية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى