إن فضل المعلم كبير، فهو صانع الأجيال، وباني العقول، ومربي النشء، وهو البحر الزاخر الذي ينهل منه الطلاب علمهم ومعرفهم؛ فالمعلم يمتلك أعظم مهنة، إذ تتخرج على يديه جميع المهن الأخرى، ولا أدل على فضل المعلم ومكانته من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إن الله بعثني معلمًا ميسرًا”.
لا يزال في ذاكرتي عدد من الأساتذة السعوديين المربين العظام الذين تتلمذت على أيديهم في مراحل التعليم العام.
من هؤلاء فضيلة الشيخ الجليل الدكتور/ عبد العزيز الحلاف المدرس بمدرسة مكة الثانوية والأستاذ بكلية الشريعةِ لاحقًا، تتلمذت على يد هذا الأستاذ الجليل في مدرسة مكة الثانوية وكان مدرسًا لمادة التوحيد، عالمًا جليلًا، صاحبَ أسلوبٍ جذابٍ مؤثر، ما تزال أحاديثه ودروسه عالقةً بالذهنِ بصوته المميز ووقاره المهيبِ.
ومنهم المربي القدير الأستاذ/ هاشم مقيبل، درسنا في مدرسة مكة الثانوية مادة الرياضيات كان يقول لنا كل صباح: “أنا أقبل من الطالب كل شيء إلا الغش”.
ومن هؤلاء الكبار، الأستاذ/ سراج صالح دبلول -رحمه الله-، درسنا اللغة العربية في المدرسة الناصرية الابتدائية، لم يكن دوره فقط في تعليمنا قواعد اللغة العربية، وإنما تقديم المعرفة، والفكر وتنمية المهارات الفنية، وتعزيز السلوكيات الحسنة.
ومنهم أيضًا، الأستاذ/ يوسف كتامي، كان ذا شخصية قوية وأنيقًا في ملبسه وحازمًا في تعامله، ومتمكنًا من مادته. تعلمت من هذا الأستاذ احترام الوقت، كان بعيدًا عن قول العبارات الفاحشة، جميل اللسان وحسن المنظر.
ومنهم الدكتور/ حسين نجار الإعلامي الشهير، كان أنيقًا في ملبسه لطيفًا في تعامله، كان يقبل الخطاء، والاعتذار، وإعادة الاختبار، ويجبر عثرات الطلاب. تتلمذت على يديه في المدرسة الناصرية الابتدائية مادتي القواعد والتعبير.
في مدرسة بلال بن رباح المتوسطة بالمسفلة، كان مدير المدرسة ونحن طلاب المربي الكبير الأستاذ/ جميل إسحاق عطار -رحمه الله-، كان بمثابة الأب الحنون، دائم التنقل من قاعة دراسية لأخرى للتأكد من سير العملية التعليمية، لديه قائمة بأسماء طلاب الأسر المحتاجة في المدرسة، كان يقوم بإعطاء كل طالب منهم يوميًا ورقة (كوبون)، لتقديمها في الفسحة الكبيرة للمقصف؛ فيصرف لهم بموجبها ساندويتش مع مشروب غازي.
وأختم بالأستاذ والمربي ناصر دقنه -رحمه الله- مدرس الرياضيات بالمدرسة الناصرية الابتدائية بالمسفلة، كان سمح المحيّا، مشرق الوجه، جيد الشرح، حسن الإفهام، كان يخلق روحًا عالية من التنافس بين طلابه، كان جيد الإشراف وقوي المتابعة على طلابه لدرجة أنه وهو في طريقه للمدرسة صباح كل يوم، كان يطرق على أبواب منازل التلاميذ الغائبين عن المدرسة؛ للتأكد من أولياء أمورهم عن سبب غيابهم.
هذه نماذج لبعض الأساتذة السعوديين الكبار الذين تشرفت بالتلمذة على أيديهم، أردتُ من ذكرهم أن أبين بأن الأجيال لا تنسى، وبأن التعليم الحق يبقي أثرُهُ وإن ارتحل صاحبه.
0