المقالات

الأثر السلوكي والحضاري للحج

الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، ولا يكمل إسلام المرء إلا بأدائه، لمن استطاع إليه سبيلًا، ولا شك أن لهذه الفريضة خصوصيتها الدينية ومكانتها المقدسة التي أمر الله -عز وجل- بها في محكم التنزيل بقوله تعالى: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (الحج: 27)، ولقد أكدت الأحداث عبر الأزمنة، أن لهذه الفريضة خواصًا حضارية عديدة تميزها عن سواها من الفرائض، فهي ليست حدثًا محليًا أو إقليميًا بل إنه حدث عالمي يشد انتباه العالم وتنقله وسائل الإعلام العربية والعالمية؛ ليُشاهد العالم كله ما تتميز به أمة الإسلام من وحدة الصف والاجتماع في مكان واحد وبلباس واحد تتوحد أفئدتهم وخطواتهم على اختلاف أجناسهم ولغاتهم، يؤدون مناسكهم في وقوفهم على صعيد واحد، والتنقل بين المشاعر وقيامهم برمي الجمار والحلق أو التقصير وأداء المناسك تقربًا إلى الله -عز وجل-، ثم طوافهم وصلاتهم وكافة مناسكهم، متخلين عن مظاهر الترف والتنعم والفوارق الدنيوية بين الطبقات، حاسرين رؤوسهم رافعين أيديهم إلى المولى القدير؛ ملبين مكبرين في أجواء روحانية مفعمة بظلال الإسلام وروح الإيمان، ليعلنوا للعالم كله حقيقة الدعوة المحمدية الخالدة التي أساسها إفراد الله بالعبادة، وفي صورة إيمانية تجسد معنى التآخي بين المسلمين وتآلف قلوبهم وتوحدهم في عبادة خالقهم، إحقاقًا لقول الحق سبحانه وتعالى: (إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء: 92) ..
ومن هنا يظهر لنا أن التزام الحاج بتعاليم هذا الدين الحنيف والتحلي بالأخلاق الإسلامية والاتباع التام للأنظمة في كل تحركاته وتنقلاته والاستخدام الحضاري الأمثل للمرافق العامة التي هيأتها حكومة المملكة العربية السعودية من شبكات الطرق والحدائق العامة ومجمل الخدمات التي وفرتها من أجل راحة وسلامة ضيوف الرحمن، وتمكينهم من أداء مناسكهم بيسر وسهولة، وغير ذلك من الخدمات التي وجدت من أجل راحته وطمأنينته، كل ذلك يعكس للعالم أجمع حضارة ورقي هذا الدين العظيم.
إن جميع هذه المظاهر هي واجبات دينية تترتب عليها سلوكيات حضارية لها أثرها ووقعها النفسي على أبناء الإسلام الذين يتابعون أداءها عبر وسائل الإعلام المختلفة، ويتمنى كل واحد منهم ويدعو الله -عز وجل- أن يكتب له الحج، كما أنها وفي نفس الوقت ذات أثر كبير على غير المسلمين الذين يتابعون هذه المظاهر الإسلامية السمحة عبر الشاشات، وقد تكون سببًا في لفت أنظارهم وتفكيرهم في هذا الدين الحنيف، مما يؤكد بأن للسلوكيات الحضارية لحجاج بيت الله الحرام أثرًا في الدعوة إلى الله -عز وجل- وهداية خلقه الى الدين القويم.
وإنها لدعوة كريمة ندعوك إليها أيها الحاج الكريم بأن تكون مثال المسلم المتحضر في سلوكياتك وممارساتك وتعاملاتك سواءً في مسجدك أو مسكنك أو مخيمك، مستوحيًا ذلك من قوله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) (البقرة: 197)، وفي المحافظة على النظافة العامة والاستخدام الحضاري للمرافق العامة من شبكات الطرق والحدائق والمياه والكهرباء والهاتف والصرف الصحي وإعطاء الطريق حقها، وخلاف ذلك من أنواع المرافق والخدمات التي وفرتها حكومة خادم الحرمين الشريفين – يحفظه الله – لخدمتك وكافة إخوانك ضيوف الرحمن؛ لتحقيق راحتكم ورفاهيتكم وتيسير أدائكم لمناسككم.

وختامًا.. أخي الحاج خالص تمنياتنا لك بحج مبرور وذنب مغفور، وإقامة ميمونة مطمئنة في ربوع الديار المقدسة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى