اشتهرت مكة على مر العصور بالأسواق الدائمة؛ إذ جرت العادة أن يجتمع أصحاب الحرفة الواحدة وتجار الصنف الواحد في حي أو عدد من الأحياء الخاصة مؤلفين بذلك سوقًا.
ومن المؤكد أن الأسواق المحلية التجارية كانت تحتل موقعًا مجاورًا للمسجد الحرام، وربما كان ذلك هــــو الموقع المثالي الذي ينبغي أن تكون فيــه السوق، حيث يجتمع الناس ونستطيع أن نبيِّن هذا الأمر من خلال تمركز الحركة التجارية اليومية بمكة في أسواق قريبة من المسجد الحرام، مثل: سوق البزازين عند باب بني شيبة، وقد اختصت ببيع النسيج والقماش على أن كبرى أسواق مكة كانت في المسعى، في المسيل بين الصفا والمروة، حيث كانت تباع فيه الحبوب واللحوم والتمر والخضروات والفواكه، كما كان يوجد سوق كبير إلى الشرق من سوق المسعى، وكانت تعرف بسوق العطارين وكانت بقرب باب بني شيبه أحد أبواب المسجد الحرام وقد اختصت ببيع أنواع العطارة والبهار والبخور على اختلاف أنواعها، وكانت من أكبر الأسواق وأكثرها رواجًا في تلك العصور لاشتداد الطلب على تلك الأنواع التي كانت في مقدمة السلع المطلوبة.
كما كان يوجد سوق آخر يحده النازل من جبل المروة، ويسمى السوق الصغير غربي المسجد الحرام، وهو أهم سوق للخضراوات واللحوم، ويعتبر سوق الليل الواقع شرقي المسجد الحرام من أشهر أسواق مكة، ويباع فيه جميع لوازم الحجاج، ويوجد به مرافق عامة وبه حمام كان يعد الثاني في الأهمية بعد حمام أجياد.
وإلى جانب هذه الأسواق التي تمتاز بقربها من الحرم الشريف والمرافق العامة كان هناك العديد من الأسواق المنتشرة في بقية أحياء مكة، وكانت تلك الأسواق تتميز أيضًا بطابعها التخصصي المميز مثل سوق الحطب وسوق المسفلة وأسواق أخرى بالزاهر.
وعلى كل يمكننا أن نتصور بحق أسواق مكة التقليدية المحلية، وهي تموج بجموع من الناس على اختلاف أجناسهم وألوانهـم من مشترين ومتجــولين وأصــحاب حرف وتجار وباعة وغيرهم يتبادلون المنافع والمصالح، ويتدافعون فرادى وجماعات وسط الشوارع الضيقة والأسواق المسقوفة قريبًا من الحرم في أسواق العطارين والتمارين والبزازين وسوق الليل والسوق الصغير وغيرها.
وبطبيعة الحال كان تجار هذا النوع من الأسواق إما تجارًا مستقرين لهم حوانيتهم ودكاكينهم ومستودعاتهم، وإما باعة متنقلون يبقون في السوق معظم النهار ثم يبارحونه ليعودوا إليه في اليوم التالي.
ومما لا شك فيه أن ربط مكة بريفها أو باديتها بشبكة من الطرق البرية قد أسهم بشكل كبير في توثيق العلاقات الإقليمية بينهما، وفي انتعاش التجارة والأسواق المحلية بشكل دائم ومتواصل.
