في هذه الحياة الدنيا كُتبت أقدارنا قبل أن نحُل ضيوفاً على هذه الأرض الرحيبة، ومثلها بعد أن نرحل فلا مجال للصدفة ولا مجال أيضاً للأمر العارض كُتبت أقدارنا ممن ارتضاها لنا سبحانه وتعالى، كُتبت أقدارنا ونحن لا نملك من أمرنا شيئاً من قبل ومن بعد ولكن من المؤكد أخذ الأسباب بعد التوكل على الله في كل أمورنا فلا حزن ولا غضب ولا جزع ولا فزع مما كُتب لنا فكل إنسان منا ذاهب إلى حيث ما أراده الله له فلا نمضي في تفسيرات لا تطيقها النفس، ولا نُوجد مبررات عديدة لا يقبلها العقل، ولا حتى أنفاس ثقيلة تجرح الصدر، ولا آهات متتالية تعذب الروح، وكل مايتوجب هو التفاؤل الدائم، والأمل الجميل، والطموح الذي يعانق العلياء ويصافح المجد وإن تأخر المطلوب بعض الشيء وبدأت تأخذنا الظنون غير الحسنة إلى حيث لا نرغب ولا نود فلا يبرح مخيلتنا هذه الآية الكريمة “لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا” فلا يُعلم من أين يأتي الخير، ولا أين يسير بنا. وقد يعتقد الواحد منا أن ماكُتب لغيره كان هو أجدر به وأحق وهنا الخطأ الواضح فنحن لا نملك الحقيقة الدامغة؛ لأننا باختصار لا نملك الغيب ولا حتى جزءًاً يسيراً منه، فليرضي الإنسان بما كتبه الله ويكتفى به وليعلم أن الخير كل الخير فيما أراده الله له وكتبه ولعل تجارب الآخرين في جميع المواقف عظة وعبرة لنا خيراً كانت أو سوءاً.
إن الجميل في صاحب النفس البشرية السوية أن يتمنى الخير لغيره كما يتمناه لنفسه فهذا الجمال الحقيقي، وهذا البهاء المفترض فالحياة وبلا شك تتسع لكل من يسير في مختلف طرقاتها الواسعة ويتبقى فقط الإحسان العظيم، والعطاء المتواصل، والبذل الكبير في كل ممكن وفي جميع مناحي المعمورة، والسعادة الحقيقية أن تفرح لفرح الآخرين، والسعادة الحقيقية فيما تقدمه للناس من معروف ما استطعت، والسعادة الحقيقية فيما تقدم من نفع للمحتاجين مهما كان حجم هذا النفع فكم من كلمة صادقة لامست الأعماق فكان لها الأثر الكبير في النفس، وكم من عطاء يسير أدخل السرور في القلب، كما أنه من المهم على هذه النفس النقية في كل الأحوال أن تقنع تمام القناعة وكمال الرضا فيما كتبه المولى عز وجل في كل أقدارها من خير أو سوء (واعلم أن ما أخطاك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك) وكل ماعلى الإنسان الطامح هو الاستمرار في معترك حياته فما بين كل أمل راحل، وأمل قادم طموح يجب أن لا يتوقف ولا أن يتأخر وحتى وإن اعترته تلك الخيبة المؤلمة من شخصه أو بسبب الآخر فلا ندم ولا حسرة فكل شيء مفقود من الممكن تعويضه بمشيئة الله. وعلى أي حال أيها الإنسان والله لن تغمض لك عين في هذه الدنيا حتى تستوفى كامل المكتوب في كتابك “جفت الأقلام ورفعت الصحف”.