المقالات

الخصخصة وتحديات النجاح

عندما يسمع الكثير عن قُرب خصخصة قطاعات كبيرة من الجهات الحكومية، كالتعليم العام والجامعي، والصحة، والبلديات، وبعض الجهات في الداخلية وغيرها، ينشغل ذهنه بما سيكون عليه حال الخدمات المقدمة والخطط الواعدة؛ لمواكبة مراحل التطوير والتجديد والإبداع تحقيقًا لطموح قادة هذه الدولة الراشدة -أعزها الله- في رؤية 30/20.
والحقيقة أن الجميع ينتظر بكثير من الأمل والطموح هذه المرحلة، والمتأمل يعرف أن الدولة-رعاها الله- مهَّدت لهذا التحول مسبقًا بتعديل كثير من الأنظمة واللوائح، وكلفت المسؤولين في تلك القطاعات المستهدفة بضرورة القيام باتخاذ ما يجب للاستعداد لهذا التحوَّل في عدد من الملفات الجوهرية، وما سأتحدث عنه هنا يتمثل في نتاج ما منحته الجهات المشرعة لتلك القطاعات المستهدفة بالخصخصة، من صلاحيات واسعة تهدف إلى ضمان عملها بكفاءة وفاعلية وانتظام، لتحقيق أهدافها المستقبلية المنشودة بقدرة واقتصاد. فعلى سبيل المثال لا الحصر أعطت الأنظمة واللوائح المرعية لتلك القطاعات حق الاستثمار وفق خطط مدروسة؛ بهدف تحقيق عوائد مالية تُمكنها في المستقبل القريب من الاعتماد على حالها والصرف على بنود ميزانياتها ومشاريعها الخدمية، والتخفيف من اعتمادها على ميزانيات الدولة في المستقبل القريب بشكل كلي أو جزئي وفق رؤى الخصخصة لكل قطاع. وقد شُرعت هذه الصلاحيات من عدة سنوات مضت لكثير من القطاعات قبل موعد خصخصتها، ومنحت الأموال المطلوبة لتحقيق مشاريعها الاستثمارية بهدف جاهزيتها لتحقيق الرؤية المنشودة من الخصخصة، ولكن السؤال هنا بعد كل هذه السنين الماضية والميزانيات المليارية هل قطعت تلك القطاعات شوطًا كبيرًا في هذا الجانب ونحن قاب قوسين أو أدنى من الخصخصة؟

والمتأمل في حال الواقع يبصر وجود قطاعات استطاعت بعض جهاتها أن تخطو بفخر خطوات مباركة بتحقيق عوائد مليارية في استثماراتها مستعينة في تحقيق أهدافها بعمل مؤسسي فاعل وخبرات مؤسسات أهلية رائدة في مجال الاستثمار، وجهات أخرى في ذات القطاع للأسف لازالت تُعاني من أزمة في فهم العمل المؤسسي من حيث فاعلية الإدارة واختيار القادة والتخطيط الجيد، الأمر الذي انعكس سلبًا على مخرجات الأعمال، وبالتالي تحقيق العوائد الاستثمارية المتواضعة لا ترقى إلى مواكبة الأهداف المنشودة، ولا إلى مجاراة الأهداف الطموحة لولاة الأمر – يحفظهم الله – في رؤية 30/20.
وكم تمنيت معالجة هذا الإشكال بجعل مقولة مهندس الرؤية وعرابها سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء – يحفظه الله – عند اختيار الوزراء وقادة القطاعات بوجوب البحث عن الشخص الذي يكون نشاط القطاع وهم تطويره شغله الشاغل وأولوية أفكاره ومشروع حياته، وأن يكون هذا نبراسًا أساسيًا في اختيار قادة الجهات من قبل الدوائر المسؤولة عن ذلك في القطاعات الحكومية.
كما أن متابعة هذه الجهات المتعثرة من قبل جهات عُليا، ومساءلتها عن جوانب القصور في عملها المؤسسي، وعجزها عن تحقيق خطوات تذكر في حقائبها الاستثمارية، والوقوف على الأعمال، وتحديد العوائق والإشكالات لإعادة توجيهها إلى المسار الصحيح، ومحاسبة المقصرين إن وجدوا، وعدم ترك الأمور لاجتهادات مسؤولين أعمالهم بعيدة كل البُعد عن العمل المؤسسي ومخرجاته، يسيرون الأعمال بالطرق التقليدية المعتادة ويعشقون الفلاشات الصفراء، ويخافون من مواجهة تحديات التغيير والتصحيح، لفهم بحق أبعد ما يكونون عن القادة وأهداف القيادة، فمثلما يتم المحاسبة على الجرائم والمخالفات في الأعمال أتمنى أن تتم المحاسبة على القصور وعدم القيام بأعمال يجيب القيام بها، فالقمة لا يتم الوصول إليها إلا بقياديين يملكون المهارة والهمة.

– مستشار القانوني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى