المقالات

ولي في مواسم الحج شجون

هيا كدا.

أرسل لي الأخ العزيز عبدالله الزهراني رئيس تحرير صحيفة “مكة” الإلكترونية. رسالة يقول فيها: لو تكتب لنا مقالًا عن الحج وذكرياتك عنه، فقلت سأفكر إذا وجدت شيئًا مناسبًا أرسلته لكم؛ فقال لي: اعصر المخيخ فرددت عليه يا عبدالله أصلًا هو في مخيخ حتى نعصره.
ذكرتني كلمة المخيخ بطُرفة. في معظم البلدان يُشار إلى مدينة أو قرية ما بأن سكانها قليلو الذكاء، والحقيقة ربما كان هؤلاء السكان أكثر ذكاءً من غيرهم. فيقال: إن أحد العلماء أراد أن يقيَّم تجربة علمية على مجموعة مختلفة من الأمخاخ؛ فسأل كيف يحصل على نوعية منها. فقيل له في المركز العلمي الفلاني يحتفظون عادة بنماذج من الأمخاخ. وكان رائجًا هناك من باب التندر أن بعض أهل مدينة ما ولنسميها x وأنتم كل يغني على ليلاه ويسمى ما يشاء، وx هؤلاء ليسوا بذلك الذكاء. المهم ذهب إلى المركز وطلب أن تعرض أمامه النماذج وأسعارها. وتم ذلك فسأل بكم المخ الفرنسي؟ فقيل له بمئة دولار طيب والألماني؟ قيل بمائتي دولار والأمريكي؟ فقيل بثلاثمائة دولار. طيب وx بكم فقيل له بـ3000 دولار فاستغرب واستشرق وتساءل لماذا يعني ومخهم كما نسمع مشي حالك!. فردوا عليه لأننا نكسر مئة رأس. حتي نجد واحد مخ.

أما عن الحج فسأتتطرق فقط إلى مواقف طريفة مرت ونخلي الدسم لوقت آخر قد يأتي. أذكر أن أول علاقة لي بالحج عندما كنت طفلًا تحت المطر، وكلمة مطر لم تأتِ عبثًا. ذهب بنا الوالد للحج ووقتها كنت طفلًا ربما سني لا يتجاوز الخمس سنوات. وفي يوم عرفة هبت ريح عاتية لا تبقي ولا تذر مع مطر شديد اقتلعت الخيام وما أدراك ما الخيام. وقد كنت صغير العمر والجسم والوزن، والذي لا أعلم كم ولكن أكيد كان بالهم، ومع تلك الحوسة والغبار تفكك شملنا وشعرت أني أكاد أطير زي العصافير من الهواء، ويا غافل لك الله فين أروح وفي أي شارع وحتة وخشيت أنه من هذا ماكو فكة. وزد علي ذلك كانت حبات البرد تنهمر ووين يوجعك وهي تصقع في رأسي. وكطفل في تلك الحالة الصعبة داهمتني الغربة وليتني ما جيت فبين تشتتي عن أهلي فأين سيأخذني الهواء والهوي مش هوايا. المهم بحافز حلاوة الروح لمحت سيارة بجواري فدخلت تحتها وتمسكت بأحد الإطارات. وقلت في نفسي عساها ما حركت قيدها موتة، فلو قائد السيارة حركها كان قد قيل والله كان أسعد طفلًا طيبًا. وهدأت العاصفة وأسمع صياح أبي وأمي يا أسعد قلت في قلبي أسعد مين. ذا أنا ذقت الأمرين. وقد يجمع الله الشتيتين بعد أن ظنا كل الظن أن لا تلاقيا.

هذه سالفة طفلًا تحت المطر أو البرد والتي فيها الله سلم. ومن ثم كان ثاني تواجد لي في الحج عندما كنت طالبًا في مدرسة الشرطة حيث يدفعون بنا للعمل في موسم الحج هناك، وكان الحال في التنظيم كل قائد يتصرف حسب الظروف يعني كل من إيدو إلو فلم نكن تعرف الخطط؛ فكنت في ذلك المعترك معزومًا من ضمن المعازيم. كل يجتهد وتعدي المهمة. ومن ثم كانت مشاركتي التالية بعد تعيين الفريق محمد الطيب التونسي مديرًا للأمن العام، وهنا بدأت فعاليات الحج تأخذ مسارًا آخر من التنظيم وتفعيل خطط ممنهجة. فكل يعرف عمله وموقعه. كان التونسي من القادة الأفذاذ الذين ترأسوا قطاع الأمن العام فقد كانت تتوفر فيه كل صفات القائد من علم وثقافة عامة وشخصية حازمة متفهمة وطلة رائعة باختصار كانت لديه (كاريزما) مميزة. وعلى ذكر الكاريزما، تذكرت أن هذه الكلمة كانت غريبة علينا واستجدت وفرضها علينا المجتمع الرياضي؛ فهذا الرئيس عنده كاريزما، والثاني كاريزمته الله بالخير والثالث ما عنده كاريزما (يمشي كذا كذا) بدون كاريزما من يوم ولدته أمه. وخشيتي أن الجهات المختصة أن تضع من ضمن الشروط أن لا بد يكون عند الرئيس كاريزما بالتالي لا ينجح أحد. مع تحفظي الشديد على شرطيي الشهادة وإجادة اللغة الإنجليزية، فليس بهما يكون الرئيس رائدًا وقائدًا ناجحًا. فرؤساء دول لا يعرفون إلا لغتهم الأم. نخسر رجالًا علي مستوى عال من الخبرة والقدرات المتعددة بسبب شهادة لا تودي ولا تجيب، ولغة يمكن أن يقوم بها مترجم.

المهم نعود إلى الحج وقيادة التونسي. فعرفنا الخطط. وفرض النظام. بل واستخدام الأجهزة اللاسلكية بتوسع وغرف عمليات، وأيضًا الرموز فلكل عامل وخاصة القادة رمزًا، ومن الطرائف أن كان مدير الامن العام وهو القائد الأعلى للحج وكافة القوات المشاركة أُطلق على مقامه لقب الأسد، وكان الفريق طه خصيفان هو قائد الحج، وبذكر الخصيفان هنا لا بد أن أنوّه ولو علي عجالة كيف كان هذا الرجل من القامات العظيمة وأطلق عليه السهل الممتنع، ولقد خلف لنا قيادة لا تضاهي، وهو الفريق صالح خصيفان -رحمه الله- والذي جعل من المباحث العامة برغم عملها الهام، والذي يلامس بقوة أمن الوطن بكافة حساسيته؛ فجعل من هذه الإدارة مؤسسة إنسانية. تدخلها ولك حق يأتي إليك ولا تبحث عنه.
المهم أبلغت غرفة العمليات الفريق طه “والنداء طبعًا مسموع للجميع” وكان رمزه نجمًا. يا نجم. يا نجم فقال بصوته الجاذب الذي ينفرد به نعم، فقيل له الأسد على وشك التحرك (القائد الأعليالقوات الحج) فقال أسد؟؟ أسد مين هذا. وكأنه نسي الرمز، فقالوا له الأسد ما غيره الذي قادم من جده. فرد.. ها! أيوه عرفته قصدكم الفريق الطيب. . أذكر أني استلمت بعدها قيادة منطقة في الحج اسمها (منى الجديدة)، وحاولت أن أجتهد وأعلن قبل كل منطقة أن الحجاج استكملوا فيها قبل غيرها. وهذا ما حصل ولكن ضريبة ذلك أن أُصبت بضربة شمس وحُملت ليس طبعًا علي الأعناق بل بما قسم إلى أقرب مركز صحي، ومكثت فيه عدة أيام ولا أحد سأل عني. إلا الإنسان أبو قلب طيب اللواء صديق تونسي الذي أخذني إلى المستشفى في الزاهر حيث عُولجت وسلمت وعدت إلى أهلي. الطريف بعد عدة سنوات وكنت مديرًا لمرور جدة وصلتني معاملة يطلبون مني تسليم جهاز الاتصال اللاسلكي. فأجبتهم أني بالتأكيد سلمته ولكن مع ضربة الشمس لم أعد أذكر لمن سلمته. فقالوا لا يا شاطر أنت قائد وعليك المحافظة على عهدتك، وممكن نعاقبك علي إهمالك ولكن تقديرًا لظروفك نعفيك من العقاب وتدفع فقط ثمن الجهاز عشرة آلاف عدًا ونقدًا. أيامها أظن راتبي يادوب يجيب واحد جهاز ومقربع كمان. ففكرت هؤلاء رأسهم وألف سيف أن أدفع وكمان حملوني جميلة العفو. لا بد أجد ما يثبت كلامي، وطلبت المعاملة لعل وعسي. وأخذت أقرأها كلمة كلمة وإذا بي أصل إلى مربط الفرس والحقيقة ما كان فرس كان أقل شوية. وجدت أن زميلًا اسمه z-أسعد. وبحكم أنا وبالصدفة شويتين مشهور. مرت المعاملة على أحد من المحبين وعفويًا طالما فيها أسعد فهو أكيد أسعد عبد الكريم ما غيره. وهذه يا سادة ضريبة الشهرة؛ وخاصة إذا كانت من الماركة المضروبة. طبعًا رددت لهم بما وصلت إليه، وكنت أنتظر اعتذارًا من باب أنهم ناس طيبون وعفو عني وأنا في نظرهم مذنب، ولكن بصراحة وإلى الآن كل ما دق باب البيت أحسب أن أحدهم أتى ليحمل لي ذلك الخطاب ولكن هيهات. فهذه الثقافة تعتبر ترفًا، وكل عام وأنتم أحبتي بخير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى