■ سمو الحكمة والرحمة الإلهية تتجلى في هذه الآية الكريمة .. قوله تعالى: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) (الحج: 27)
فعندما أقول عن مكة: إنها ساحرة القلوب نعم ساحرة قلوب المسلمين بالإيمان وطاعة الرحمن وبحب المكان ..فلكم أن تتخيلوا تلك المواقف التي نُشاهدها كل يوم بأعيننا .. نُشاهد تجمعات هائلة للحجاج في مكة تتجاوز المليوني حاج في منطقة واحدة، وتحت درجة حرارة مرتفعة تتجاوز ٤٠○ وزحام الناس والسيارات، ومع ذلك ولله الحمد والمنة ماشاء الله تبارك الله.. تجد وأنت تسير بين هؤلاء الحجاج الابتسامة على محياهم والسعادة والوقار والسكينة، وتجدهم على طول الطريق يسيرون مسافات طويلة ولا تجد لعلامات التعب والإرهاق، وعندما أسألهم عن المواصلات يقولون: لسنا بحاجة فالمسكن قريب، رغم أنه بعيد ولكنها نعمة الله ورحمته تغشاهم .. فهممتُ أن أطلب من أحد الحجاج أن يدعو لنا؛ لأن مثل هؤلاء الضيوف من حجاج بيت الله -بإذن الله- لهم دعوة مستجابة.
وكم رأيناهم وهم يسيرون بين المشاعر، ومن أو إلى عرفات الله مشيًا على الأقدام، وهم يحملون على ظهورهم عتادهم. رغم سموم الأجواء آنذاك الوقت .. وفي الجانب المضيء نشاهد رجال الأمن بمختلف قطاعاته الأمنية، وهم يتسابقون على فعل الخير، وتقديم الخدمات لهم بابتسامة صادقة، ولكن هناك شرذمة قليلون من بعض من الوافدين من المقيمين من الباعة رأيتهم يتعاملون مع الحجاج بقساوة حارة غير لائقة لدرجة أخذني فضولي، وتدخلت في مشاجرة وقعت أمامي بين بائع من المقيمين وحاجي عربي يقول لي الحاج: هل هذه أخلاق السعوديين؟
قلت له: إطلاقًا وأن هذا البائع غير سعودي .. ولكن يا أخي الحاج .. أرشدك إلى أمر مهم جدًّا .. في مثل هذه الأمور لا تسكت على حقك أو تحكم على قوم بسبب شخص .. فعندما تقع في مشكلة على الفور اتجه إلى أي رجل شرطة أو موظف مدني سعودي، وانقل له مشكلتك على الفور تجد فرقة بأكملها تعمل لخدمتك .. ثم رجعت إلى البائع لأحذره من سوء أسلوبه مع الحجاج، وأن هناك جهات رقابية تتابع من هم على شاكلتك .. رد وقال: هذا بسبب زحام في المحل .. وكأنما يتضجر من رزق الله عليه ..خرجت من المحل وأنا أقول له: احمد الله واشكره على الرزق المتزاحم عليك .. فمثل هؤلاء الباعة ينبغي أن تغلق محلاتهم أو معاقبتهم.
ونختم مقالنا عن مكة الساحرة .. نعم.. إنه سحر رباني يرسله الله لمن يكتب لهم الحج، وينعم عليهم ويسهل لهم حجهم ثم يعودون إلى أوطانهم وقلوبهم متعلقة بمكة.. ففعلًا.. إنها مكة ساحرة القلوب…