الأمثال هي خلاصة تجربة مر بها الإنسان، وربما تعبر عن حدث عاشه ذلك الشخص وأثَّر عليه بصورة جعلته ينطق بكلمات في لحظة ما ثم بعد ذلك يبدأ الناس يتداولونها كلما مرت بهم ظروف مشابهة. وأحد الأقوال المعبرة التي قرأت عنها في هذا الموضوع هي الأبيات التي يقول مطلعها: (يا ليتـنـا مــن حجـنـا سالميـنـا)، ومن الروايات التي نُقلت عن مناسبة هذه الأبيات أن الشاعر بصري الوضيحي الشمري، وقد كان في صباه رجل وسيم فأوغل في الغزل والعشق، وعندما مضى به قطار العمر، أراد أن يتوب عن الغزل والتغزل فأخذه ابنه للحج، وأثناء الطواف جاء عند الحجر الأسود، وكان مزدحمًا بالناس والرؤوس متقاربة بعضها ببعض، فتزاحم معهم بصري وابنه، وعندما اقترب إلى الحجر يريد تقبيله وجد بينه وبين الحجر خد فتاة جميلة كانت تريد تقبيل الحجر، فانبهر بصري الوضيحي من بياض خدها، وبدل أن يقبل الحجر قبَّل خد الفتاة، فقالت له البنت غاضبة: «حج يا شايب» فخجل الوضيحي، وحاول ابنه الاعتذار لها قائلًا: «تاه العود تاه العود».
فأنشد الوضيحي بعد ذلك أبياتًا جاء فيها..
يا ليتـنـا مــن حجـنـا سالميـنـا
كان الذنوب اللي علينا خفيفـات
رحنـا نبـي نخفـف ذنــوبٍ عليـنـا
وجينا وعلينا كثرها عشر مرات
الحج موسم عظيم وأيامه مباركة مليئة بالخير والمكرمات ونفحات الإيمان والخيرات على الحجيج خاصة وعلى المسلمين بصورة عامة. فبالإضافة إلى المنافع الدينية فهناك الكثير من المنافع الدنيوية التي يلمسها الناس في البيع والشراء، ومكاسب أصحاب مؤسسات الطوافة وأصحاب الحرف التي تتعلق بالحجاج والحركة المستمرة في وسائل النقل المختلفة، وهناك فوائد للفقراء والمحتاجين مما يدفع لهم من صدقات أو يقدم لهم من ذبائح الهدي والأضاحي والكفارات عن كل محظور يرتكبه الحاج، بالإضافة إلى تسويق البضائع إلى غير ذلك مما يلمسه كل مسلم يشارك في الحج من منافع أخرى، وكل ذلك مما أحل الله وأباح للناس ممارسته في هذه الأيام المباركة.. ولكن الجشع في هذه الأمور ممقوت مذموم. أسعار بعض حملات الحج أصبحت أمرًا مزعجًا للحاج وبالذات حجاج الداخل، وفي كل عام تسمع أرقامًا تصاعدية لا تجد لها تفسيرًا أو مبررًا، وهناك روايات عن تكاليف الحج نخشى معها أن يصبح حلم الحج حتى ولو لمرة واحدة ــ كما هي الفريضة ــ حلمًا يصعب تحقيقه. ناهيك عن مغالطات بعض أصحاب الحملات وعدم الالتزام بموقع الحملة، وتقصير بعض تلك الحملات في الوفاء بالخدمات المنصوص عليها في العقد.
قيادة المملكة العربية السعودية وعبر عقود طويلة تخصص في كل عام مليارات الريالات للإنفاق على المشاريع في الأماكن المقدسة التي من شأنها أن تيسر للحجاج أداء نسكهم. كما تجند الحكومة الآلاف من أبنائها في المجالات الأمنية والصحية والتنظيمية وغيرها من المجالات للعمل على راحة الحجيج. هذه الجهود العظيمة والصورة الجميلة عن قيادة المملكة وشعبها المضياف لن تشوهها أطماع تاجر جشع أو تصرفات موظف أرعن، ناهيك عن الدور الرقابي الذي تقوم بها الجهات المعنية لتتبع المخالفين وردعهم. لكن يبقى الدور على من يزداد جشعًا أو يسوء خلقه في تلك الأماكن المقدسة؛ فليحذر من دعوة مظلوم تجعله في يوم من الأيام يردد: ياليتنا من حجنا سالمين.