لو تساءلنا عن لغة الأرقام في نصوص الشرع الشريف، وتدبَّرنا الأرقام الواردة فيها، ودرسنا دلالات كل رقم، فهل فضَّل الله – تعالى- رقمًا عن سائر الأرقام؟ بلا شك.. إن الرقم الأكثر تميّزًا في كتاب الله – تعالى- بعد الرقم واحد هو الرقم سبعة! فهذا الرقم له خصوصية في القرآن الكريم، وفي أحاديث المصطفى -عليه الصلاة والسلام-، وفي عبادات المؤمن، وفي الكون والتاريخ وغير ذلك……
ولو نظرنا إلى نصوص الشرع الشريف من القرآن الكريم والسنة النبوية، نجد للرقم سبعة فى الإسلام مكانة خاصة، حيث ذكر ما يقرب من 24 مرة ما بين “سبع” و”سبعًا”، فنجد فى قوله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة: 261). كما نجد فى قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا) (نوح: 15).
كما أننا إذا نظرنا إلى الحياة بشكل عام نجد كلامًا للإمام ابن القيم يقول فيه: “وَأَمَّا خَاصِّيَّةُ السَّبْعِ فَإِنَّهَا قَدْ وَقَعَتْ قَدْرًا وَشَرْعًا، فَخَلَقَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- السّمَاوَاتِ سَبْعًا، وَالْأَرَضِينَ سَبْعًا، وَالْأَيَّامَ سَبْعًا، وَالْإِنْسَانُ كَمُلَ خَلْقُهُ فِي سَبْعَةِ أَطْوَارٍ، وَشَرَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ الطَّوَافَ سَبْعًا، وَالسَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا، وَرَمْيَ الْجِمَارِ سَبْعًا سَبْعًا، وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ سَبْعًا فِي الْأُولَى زاد المعاد في هدي خير العباد” (91/4).
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «أَبُوهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ أُمِّهِ»، وَفِي رواية ثَالِثَةٍ: «أُمُّهُ أَحَقُّ بِهِ» وَأَمَرَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَرَضِهِ أَنْ يُصَبَّ عَلَيْهِ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ، وَسَخَّرَ اللَّهُ الرِّيحَ عَلَى قَوْمِ عَادٍ سَبْعَ لَيَالٍ، وَدَعَا النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُعِينَهُ اللَّهُ عَلَى قَوْمِهِ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ، وَمَثَّلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَا يُضَاعِفُ بِهِ صَدَقَةَ الْمُتَصَدِّقِ بِحَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ، وَالسَّنَابِلُ الَّتِي رَآهَا صَاحِبُ يُوسُفَ سَبْعًا، وَالسِّنِينَ الَّتِي زَرَعُوهَا دَأَبًا سَبْعًا، وَتُضَاعَفُ الصَّدَقَةُ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِغَيْرِ حِسَابٍ سَبْعُونَ أَلْفًا..فَلَا رَيْبَ أَنَّ لِهَذَا الْعَدَدِ خَاصِّيَّةً لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ، وهناك أحاديث كثيرة من الأحاديث النبوية الشريفة التي نطق بها سيد البشر محمد – صلى الله عليه وسلم-، وقد كان للرقم سبعة فيها حظ وافر، وهذا يدل على أهمية هذا الرقم وكثرة دلالاته وأسراره، فعندما تحدث الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- عن الموبقات حدد سبعة أنواع فقال: “اجتنبوا السبع الموبقات….” (البخاري ومسلم). وعندما تحدث عن الذين يظلُّهم الله – سبحانه وتعالى- يوم القيامة حدد سبعة أصناف، فقال: “سبعة يُظلّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه…” (البخاري ومسلم).
وعندما يتحدث عن الظلم وأخْذِ شيءٍ من الأرض بغير حقِّه فإنما يجعل من الرقم سبعة رمزًا للعذاب يوم القيامة، يقول -عليه الصلاة والسلام-: “مَنْ ظَلَمَ قَيْدَ شِبْرٍ مِنَ الأرضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أراضين” (البخاري ومسلم).
وعندما أخبرنا – عليه الصلاة والسلام- عن أعظم سورة في كتاب الله قال: “الحمدُ لله ربِّ العالمين هي السَّبْعُ المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيتُه” (رواه البخاري).
وفي السجود يخبرنا الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم- عن الأمر الإلهي بالسجود على سبعة أعضاء فيقول: “أُمرت أن أسْجُدَ على سَبْعَةِ أَعْظُم” (البخاري ومسلم). أما إذا ولغ الكلب في الإناء، فإن طهوره يتحدد بغسله سبع مرات إحداهن بالتراب.
ولما ذكر لنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أجر الصيام، وما أعده الله -تعالى- لمن يصوم يومًا في سبيل الله من الثواب العظيم، قال – صلى الله عليه وسلم-: “ما من عبدٍ يصوم يومًا في سبيل الله إلا باعَدَ الله بذلك اليوم وجهَهُ عن النار سبعين خريفًا” (البخاري ومسلم).
وجاء عنه – صلى الله عليه وسلم- أنه كان يستغفر سبعين مرة، فقال – صلى الله عليه وسلم-: “إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً”.
وفي اللجوء إلى الله تعالى لإزالة الهموم كان النبي – عليه صلوات الله تعالى وسلامه – يردد سبعًا هذه الآية: (حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) [التوبة: 9/129].
وهكذا نرى بأن الرقم سبعة هو الرقم الأكثر تميزًا في السنة النبوية، فهذه الأحاديث الشريفة وغيرها كثير تدل على أن النبي – صلى الله عليه وسلم- قد خصَّ هذا الرقم بالذكر دون سائر الأرقام بسبب أهميته، فهو الرقم الأكثر تكرارًا في أحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام، وهو الرقم الأكثر تكرارًا في القرآن (بعد الرقم واحد) وهو الرقم الأكثر تكرارًا في الكون، وفي بعض العبادات كالحج مثلًا، فنحن نعلم جميعًا أن عبادة الحج تمثل الركن الخامس من أركان الإسلام، في هذه العبادة يطوف المؤمن حول بيت الله الحرام سبعة أشواط، ويسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط أيضًا.
وعندما يرمي الحصيات فإن الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم- قد رمى سبع حصيات أيضًا، وقد ورد ذكر هذا الرقم في الآية التي تحدثت عن الحج العمرة، يقول الله تعالى: (فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ) [البقرة: 2/196].
وجاء الرقم سبعة الأكثر ذكرًا في القصص القرآني، فهذا نبَيُّ الله نوح -عليه السلام- يدعو قومه للتفكر في خالق السماوات السبع فيقول لهم: (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا) [نوح: 71/15].
وعن سيدنا يوسف -عليه السلام- أيضًا، نجد الرقم سبعة في رؤيا الملك الذي فسرها له سيدنا يوسف، وقد تكرر ذكر هذا الرقم في سياق سورة يوسف مرات عديدة. يقول تعالى: (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ) [يوسف: 12/43].
وقال تعالى: (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ * قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ) [يوسف: 12/46ـ48].
وقد ورد ذكر الرقم سبعة في عذاب قوم سيدنا هود – عليه السلام- الذي أرسله الله إلى قبيلة عاد فأرسل عليهم الله الريح العاتية، يقول تعالى: (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا) [الحافة: 69/6 – 7].
فهذا كله إن دل علي شيء، فإنما يدل على أن الله – تعالى- قد ميَّز هذا الرقم، وقد أودع فيه من الأسرار والمعاني ما لا يعلمه إلا الله – تعالى- وما يفتح به على العارفين من عباده. وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
0