نعيش حاليًا في عالم يشهد تحولات في مختلف الميادين والأصعدة، تتسم بشكل جوهري على (المعرفة)، وتؤثر هذه التحولات على النظم التعليمية بشكل عام ونظام التعليم العالي على وجه الخصوص؛ لذا بات من الضروري أن يُرافق هذه التغيرات تطورات وإصلاحات في النظام التعليمي، ونحن في المملكة أمام رؤية مستقبلية هدفها الرئيس إيجاد مصادر دخل تعتمد بشكل كبير على إبداع العنصر البشري؛ لتحقيق ما يُسمى بالاقتصاد المبني على المعرفة. هذا يضع مسؤولي التعليم أمام تحديات تتمثَّل في ضرورة مواكبة التقدم والتغيرات الحياتية واستيعابها والتكيُّف معها، والبحث عن فلسفة ومبادئ وطرق إدارية وتعليمية حديثة تستجيب لمتطلبات المرحلة الحالية.
بدون شك فإن حاجات ومتطلبات سوق العمل قد تغيَّرت في العقدين الماضيين، فعلى سبيل المثال، لم تعد مخرجات كلية الهندسة كما كانت في السابق، من احتياجات سوق العمل في وقتنا الحاضر، والأمر ينطبق على خريجي العلوم والطب والصيدلة وحتى الكليات النظرية، ولم تعد المهارات التي كانت مطلوبة في الماضي ذات جدوى في سوق العمل في وقتنا الحاضر، أوجد هذا ضغطًا كبيرًا على المؤسسات التعليمية، من أجل أن تعد خريجين يمتلكون مهارات معرفية تُمكنهم من مواكبة المستجدات والتطورات المعرفية اللازمة في ممارسة أعمالهم ووظائفهم.
لقد استقطبت مخرجات التعليم العالي اهتمام بلدان العالم، لما لها من أهمية في ميادين التنمية البشرية والاقتصادية والتقدم المعرفي، وظهرت الدعوة إلى ضرورة إيجاد أساليب جديدة لتقويم البرامج التعليمية، وبناء معايير تنسجم وفلسفة هذه البرامج.
إن التعليم العالي المتميز يُعتبر من أهم الوسائل لتنمية المهارات وبناء القدرات البشرية التي تحتاجها قطاعات العمل والإنتاج والخدمات لأي بلد هدفه بناء مجتمع معرفي والاندماج في الاقتصاد العالمي، فهو يعدّ استثمارًا استراتيجيًا يتم من خلاله إعداد القوى العاملة وتأهيلها بما يحتاجه سوق العمل والقطاعات التنموية الوطنية، ومن جانب آخر يجب الاعتناء بأودية التقنية في الجامعات، ودعمها هو واجب المرحلة؛ لأنها معقل الأفكار الإبداعية والمنتجات الفكرية الناتجة من الأبحاث العلمية لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات، والأمثلة على ذلك منتجات أودية التقنية في الجامعات المنتجة في العالم المتقدم؛ فهي تخلق الوظائف وتسوق المنتجات الفكرية وتمد الجامعات بالموارد المالية التي تحتاجها. ففي القرن التاسع عشر من ملك التوابل ملك العالم، وفي القرن العشرين من ملك البترول ملك العالم، وفي قرننا الحالي من يملك المعرفة سيملك العالم.
0