الإمام أبو القاسم محمد بن عمر الزمخشري هو رجل من أئمة أهل العلم واللغة والآداب والمفسرين، وكان علامة نسابة، ما دخل بلدًا إلا واجتمعوا عليه، وتتلمذوا له، سافر إلى بيت الله مكة المكرمة، فجاور بها زمنًا حتى سمى نفسه (جار الله الزمخشري)، ولعل الإمام الزمخشري لم يجد في وطنه ما تتوق إليه نفسه، فتوجه إلى بيت الحرام عام 516 هـ ليؤدي فريضة الحج، وليقضي البقية الباقية من عمره بجوار بيت الله الحرام، وهو في طريقه للحج نظم قصيدة مليئة بالزهد ونكران الذات، والتمسك بحبل الله المتين والذي من تمسك به نجا، فقال من قصيدته أبياتًا لازالت تردد على الألسنة إلى وقتنا الحاضر:
سيري تماضر حيث شئت وحَدثي :: إني إلى بطحاء مكة سائر
حتى أنيخ وبين أضماري فتيً :: للكعبة البيت الحرام مجاور
والله أكبر رحمة، والله أكثر نعمة :: وهو الكريم القادر
يا من يسافر في البلاد منقباً :: إني إلى البيت الحرام مسافر
إن هاجر الإنسان عن أوطانه :: فالله أولى من إليه يهاجر
سأروح بين وفود مكة وافداً :: حتى إذا صدروا فما أنا صادر
حسبي جوار الله حسبي وحده :: عن كل مفخرةٍ يعدّ الفاخر
استقر به المقام في مكة المكرمة، وأخذ يصنف ويؤلف ويدّرس ويعلم مختلف العلوم، وكان مكانه داخل الحرم الشريف بين (بئر زمزم) و(مقام إبراهيم)؛ وفي الحقيقة كانت فترته الزمنية التي قضاها في مكة تعد مرحلة عطاء وإنتاجًا علميًا وفكريًا غزيرًا؛ حيث كتب أشهر كتبه وأنفعها، بعد أن غيرت أجواء الحرم الشريف الروحانية نفسيته إلى نفس مطمئنة راضية صفى مزاجها، فتحلق حوله الكثير من أبناء مكة المكرمة للتعلم وأخذ العلم منه، وقصده طلاب العلم من أرجاء العالم الإسلامي ينهلون من بحره الغزير.
له تفسير عظيم اسمه الكشاف فيه بدائع من التفسير والمعاني، ويقال إنه من المعتزلة، ولكنه في تفسيره المسمى الكشاف لم أجد شيئًا مخالفًا لما أعرفه عن التفاسير الجيدة. توفي الإمام أبو القاسم الزمخشري-رحمه الله- ليلة عرفة سنة 538هـ، في جرجانية خوارزم، بعد عودته إلى بلده من مكة المكرمة.
0