تُعتبر فرنسا أول دولة كُبرى- بعد الولايات المتحدة وبريطانيا- تقيم معها المملكة علاقات وثيقة، فقد كانت فرنسا سباقة بالاعتراف بحكم جلالة ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها عبد العزيز آل سعود خلال عام 1345هـ/1926م، وأرسلت باريس قنصلاً مكلفًا بالأعمال الفرنسية لدى المملكة عام 1348هـ/1929م، ثم عقدت معاهدة “الجزيرة” بين المملكة والجمهورية الفرنسية خلال عام 1350هـ / 1931م، وعقب إعلان توحيد المملكة عام 1351هـ / 1932م كانت فرنسا من أوائل الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية مع السعودية، وأنشأت أول بعثة دبلوماسية في مدينة جدة عام 1355هـ/ 1936م.
وثمة من يرى أن جذور العلاقات بين السعودية وفرنسا في طور الدولة السعودية الأولى يعود إلى عهد نابليون بونابرت، فاستنادًا إلى بعض المؤرخين، كلف بونابرت سنة ١٨٠٣ قنصله في بغداد أوليفييه دي كورانسيز التحدث مع الأمير سعود بن عبد العزيز (سعود الكبير)، وهناك وثائق تشهد على اهتمام الفرنسيين بالدولة السعودية الأولى، ولا سيما كتابات فتح الله الصايغ وجوزيف روسو أول من رسم خريطة معروفة للدرعية عاصمة الدولة السعودية. ولم تكن علاقات المملكة بفرنسا في يوم من الأيام على حساب المصلحة العربية، وعلى الرغم من قيام علاقات دبلوماسية بين السعودية وفرنسا منذ بداية الثلاثينيات، إلا أن الشعور الوطني المتنامي لدى المواطن العربي دفع بالحكومات العربية وأولها المملكة، لتبني دعوة استقلال هذه الشعوب، وبالرغم من ذلك كان الملك عبد العزيز يسعى إلى مد جسور الصداقة مع باريس لعدة أسباب يأتي في مقدمتها بطبيعة الحال التدخل لدى فرنسا لإنهاء احتلالها لدول المغرب العربي. ولم تأتِ علاقات الصداقة والتعاون بين السعودية وفرنسا يومًا على حساب القضايا العربية، وهو ما تُمثل بشكل خاص في قطع المملكة علاقاتها بفرنسا على إثر العدوان الثلاثي على مصر وقطاع غزة عام 1956. لكن زيارة جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز لباريس عام 1967 شكلت نقطة تحول في العلاقات بين البلدين، عندما قال ديجول قولته الشهيرة على إثر اجتماعه بالعاهل السعودي: “الآن فهمت القضية الفلسطينية”. ومنذ ذلك الحين ظلت العلاقات السعودية – الفرنسية ثابتة لم تتغيَّر في ظل الحكومات الفرنسية التالية، بل أخذت تسير من حسن إلى أحسن، حتى أصبحت الآن مثالًا يحتذى للعلاقات البينية الدولية.
وظلت الزيارات المتبادلة بين القيادتين السعودية والفرنسية أهم ما يميز العلاقة بين البلدين.
وكان لزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز عام 2014 لباريس عندما كان وليًا للعهد أثرها في تعزيز العلاقات بين البلدين، ويذكر أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز تربطه علاقات صداقة قديمة بالرئيس جاك شيراك منذ أن كان شيراك عمدة باريس.
واستحق الرئيس هولاند بسبب جهوده المكثفة لتعزيز علاقات بلاده بالمملكة منحه أعلى وسام سعودي عام 2013م، وكان الرئيس الأجنبي الوحيد الذي دعي إلى قمة مجلس التعاون الخليجي في عام 2015م.
وشهدت العلاقات بين البلدين الصديقين تطورًا في المجالات كافة؛ خصوصًا بعد زيارة ولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان إلى باريس في أبريل عام 2018 ولقائه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وبعد زيارة الرئيس ماكرون للمملكة عام 2021. وتكتسب زيارة سموه الحالية لباريس ولقائه الرئيس ماكرون والمسؤولين الفرنسيين أهمية استثنائية، نظرًا لتوقيتها كونها تتم في ظروف إقليمية ودولية حرجة، خاصة فيما يتعلق بالحرب الروسية – الأوكرانية، والاقتتال الداخلي الذي يشهده السودان الآن، ونظرًا للثقل السياسي والاقتصادي الذي تتمتع به المملكة والجمهورية الفرنسية باعتبارهما عضوين فاعلين في مجموعة العشرين، والقواسم المشتركة التي تجمع بينهما في المواقف من القضايا الساخنة التي يشهدها العالم الآن، إلى جانب الإضافة المتوقعة التي من المنتظر أن تسفر عنها الزيارة لجهة التوقيع على المزيد من المعاهدات والاتفاقيات التي تصب في مصلحة الدولتين والشعبين الصديقين في مختلف المجالات، خاصة فيما يتعلق برؤية 2030 وتطوير مدينة العلا.