كرَّم الله سبحانه وتعالى بيته الحرام (مكة) بمكرمات لم تحظَ بها مدينة أخرى على وجه الأرض غير بيته الحرام (مكة). كان ذلك استجابةً لدعاء أبو الأنبياء إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- لبيت الله الحرام (مكة)، فببركة هذا الدعاء، جعل اللهُ بيته الحرام (مكة) مكانًا آمنًا، وشرَّفها بأن جعلها قبلةً للمسلمين، والبلد الوحيد الذي يُقام فيه الركن الخامس من أركان الإسلام، حج البيت من استطاع إليه سبيلًا، وجعلها مكانًا يجبى إليه ثمرات كل شيءٍ، وجعل فيه كذلك المتاجرة والأمتعة، فقال تعالى: (رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا) (القصص: 57)، وجعله بيتًا تهوي إليه أفئدة الناس مثابةً وحبًا وشغفًا واشتياقًا.
ولو نظرنا لدعاء سيدنا إبراهيم-عليه الصلاة والسلام- (لمكة) وأهلها، نجد أن له نعمًا كثيرة، منها دنيوية وأخرى دينية؛ فمن النعم الدنيوية؛ دعائه -عليه السلام- لها بالأمن والأمان في قوله تعالى: (رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا)(البقرة: 26)، ودعائه لها بالرزق كما جاء في قوله تعالى: (وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)، (إبراهيم: 37). وكذلك دعائه لبيته الحرام (مكة) بأن تكون مثابةً كما جاء في قوله تعالى: (مَثَابَةً لِّلنَّاسِ)، (البقرة: 125)، وهذه الكلمة القرآنية لها معانٍ كثيرة، منها: أن زوار هذا البيت لا يقضون منه حاجتهم مهما مكثوا فيه، فإذا انصرفوا، تحيَّنوا الفرصة ليثوبوا إليه مرة أخرى، أي ليرجعوا إليه، ومن معانيها: أنه مجّمَع للناسِ، ومن عرف (مكةَ) حقَّ المعرفةِ عرف كيف انصهرت في حماها كل الأجناس بمختلف اللغات واللهجات، وتآلفت في أحيائها كُل الأعراق، ودبَّت على شوارعها ملايينُ الأصنافِ من البشرِ جاءوا من شتى البقاع.
أما النعم الدينية؛ فدعائه-عليه السلام- لها أن تشتاق قلوب الناس قبل أجسادهم إلى الذهاب لبيته الحرام (مكة)، كما جاء في قوله تعالى: (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ)، (إبراهيم: 37)، ودعائه أيضًا -عليه الصلاة والسلام- أن يبعث الله من أهل بيته الحرام (مكة) رسولًا كما جاء في قوله تعالى: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). (البقرة: 129).
هكذا استجاب الله تعالى لتضرع خليله أبو الأنبياء إبراهيم -عليه الصلاة والسلام – حينما طلب من ربه سبحانه وتعالى: فجعل الله تعالى بيته الحرام (مكة) بلدًا آمنًا، ورزق أهلها من الثمرات، وجعل القلوب تشتاق إلى بيته الحرام (مكة) للحج والعمرة والزيارة، وبعث من أهل بيته الحرام (مكة) النبي الأمين والهادي البشير والسراج المنير محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وهكذا نرى أن التضرع لله وحده دون سواه واليقين في قدرته جل وعلى سبحانه من موجبات استجابة الدعاء. اللهم زد بيتك الحرام (مكة) تعظيمًا وتشريفًا.
0