المقالات

الهولوكوست الإسلامي

قال صاحبي: يتعرَّض المسلمون في دول الغرب ومقدساتهم، للاعتداءات المتكررة، وإلى الإقصاء والتخوين والنظر إليهم بنظرات دونية؛ وكأنهم مواطنون من الدرجة العاشرة، كما أن زوَّار هذه الدول للسياحة والاستشفاء، والدراسة لا يسلمون من نظرات الازدراء وكلمات تفوح منها رائحة العنصرية البغضة، فكيف تزعم هذه الدول بأنهم تحررت من هذا الداء المشين، وأنه لا يوجد فرق بين مواطن وآخر، وبين زائر وأبناء البلد إلا في دول العالم الثالث!
دساتير هذه الدول وإعلامها وجمعياتها ومنظماتها، تغص بالتنظير في كل ما يخص الإنسان وحقوقه، ولكن عند التطبيق تختلف المعايير، فإن كان الطرف الآخر لا يملك بشرة بيضاء، وعيون زرقاء، فالتعامل معه يختلف، لماذا هذا التناقض، كيف يجب أن نتعامل معه كدول، وأفراد، ومنظمات، ما أفضل الحلول الناجعة لهذه الإساءات المستمرة، وهل فعلًا يعيش المسلمون في الغرب في هولوكوست إسلامي، كما أسميتها أنت، في أكثر من لقاء؟

بعد تكرار حوادث الاعتداء والإساءة للرموز والمقدسات الإسلامية، قامت المؤسسات الرسمية في الغرب والجمعيات العالمية التابعة له بتبرير هذا العمل الإرهابي، بل والتسويق له بحجج مختلفة، منها حرية الرأي، الذي تنص عليها دساتيرها، ولكن هذه الحرية عُطل العمل بها، عندما أعلن شاب من أصول عربية عن رغبته في إحراق التوراة-رغم رفضنا لهذا العمل في أي اتجاه، ومن أي طرف-. ولأن لكل فعل ردة فعل جاءت رغبة الشباب العربي بحرق التوراة، مبررًا دوافعه بأنه سئم من ذهاب أموال الضرائب لحماية كل من يسيء للإسلام ورموزه، وفي ذات الوقت كاشفًا التمايز في السويد والغرب والكيل بمكيالين عند التعامل مع المسلمين.
المبرر الآخر الذي يتكئ عليه الغرب في التساهل مع كل من يسيء للإسلام، هو ما جرأ على استمرار هذه الأعمال الإجرامية. الإسلاموفوبيا، وما أدراك ما هي؛ مصطلح ابتدعه واستفاد منه الغرب، يعكس عُمق التأزم الذي يشوب نظرتهم لكل ما هو إسلامي، ويتوافق مع رؤى منظريهم، بنهاية الخطر الأحمر، وبداية الخطر الأخضر، وهذا ما التقطته وسائل الاتصال، وعلى رأسها السينما التي صنعت صورة نمطية للمسلمين، ومعتقداتهم، جعلت الكثيرين ينظرون لهم بنظرات الريبة والشك، بل والعنصرية، والكراهية، ترجمت إلى سلوك إرهابي بقتلهم كما حدث في نيوزلندا، أو ممارسة العنف اللفظي، أو امتهان رموزهم المقدسة.
ظهر هذا المصطلح، بالتزامن مع الاحتلال الفرنسي، للبلاد الإسلامية، وكان في بدايته موجهًا لرفض الخوف من الإسلام، والعنصرية ضد اتباعه، وإمكانية التعايش معهم، ومع مرور الوقت وخصوصًا في مطلع الألفية الثانية، وما صاحبها من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وغيرها، تم تحويله لشيطنة الإسلام وذريعة لمعاداة المسلمين، ووصفهم بالتخلف، والإرهاب، وكراهية الآخر، مما يقود لحتمية الصراع، واتخاذ إجراءات عدائيــــة دولية، أو فردية ضدهم، وغض الطرف عنها بحجة الخوف والرهــــــاب المرضي، الذي يجــــــب أن يخضع صاحبه للعلاج، لا للعقاب!!.
هنا يكمن جحيم هذا المصطلح، الذي تم تسويقه للعالم أجمع، بهذا المفهوم الخطير جدًا، والذي يسوغ الاعتداء عليهم، والإساءة لمقدساتهم، وهذا ما أحال المسلمين، والمولدين في البلاد الغربية للعيش فيما يمكنني تسميته هولوكوست إسلامي، ضرره لن يقتصر على المسلمين والملونين حتى وهم يحملون الجنسية الأوروبية، بل يتعداه إلى الأمن والسلم الأوربي والعالمي. السعودية أرسلت رسالة واضحة للغرب، بأن التطرف عابر للحدود، وأن بلدانهم ليست بمنأى عنه. لم يستوعب الغرب هذه الرسالة، واستمر في دعم مغذيات التطرف والعنف والكراهية، فحصدوا ما زرعتهم خزانات تفكيرهم، واستخباراتهم. فشلتم في استيعاب من ولدوا على أرضكم، منحتموهم جنسياتكم، ولم تمنحوهم حبكم وثقافتكم، وعدلكم، الذي تسبغونه على مواطنيكم البيض.
قلت لصاحبي:
الشواهد كثيرة في السلم والحرب، فما نطق به مراسلو قنواتكم عما تكنه صدوركم، “أوكرانيا ليت العراق ولا أفغانستان”، ليست كلمات عفوية، صدرت من محدودي الفهم والمعرفة، ولكنها انعكاس لفكر متأصل، كرسته النظريات المعرفية والأفلام السينمائية والأخبار اليومية، لإنتاج مبرر الكراهية والتبرير للجرائم ضد الآخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى