ظل التطور السمة الرئيسة في مسيرة النهوض السعودي، والإستراتيجية الأساس في المعادلة السعودية. هذا التطور بدأ – كما هو معلوم- من نقطة الصفر في عهد القائد المؤسس الملك عبد العزيز وظل مستمرًا حتى الآن، لكنه اتخذ في الآونة الأخيرة- تحديدًا في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده النجيب سمو الأمير محمد بن سلمان- مظاهر وسمات جديدة، من أهمها اتسامه بالبرجماتية، إلى جانب اتساع آفاق هذا التطور شاملًا كافة مظاهر الحياة، والتركيز بشكل خاص على تمكين المرأة السعودية وإعطائها الفرصة كاملة للمساهمة والشراكة الفاعلة في المجتمع، وفي بناء الدولة الحديثة في المملكة العربية السعودية، ودفع عجلة التنمية المستدامة في البلاد، وهو ما اتضح بشكل جلي في رؤية السعودية 2030.
السعودية في هذا العهد الميمون ظلت في علاقاتها الدولية محافظة على ثوابتها العقدية وقيمها الأخلاقية ومبادئ الدين الإسلامي الحنيف التي ترتكز على التسامح والوسطية والاعتدال، من خلال العمل من أجل إرساء دعائم السلام في منطقتها وفي العالم، والعمل على حل النزاعات الإقليمية والدولية بالطرق والأساليب السياسية والسلمية، ومن خلال المفاوضات، ومحاربة الإرهاب. بيد أن هناك العديد من المستجدات التي طرأت على المملكة في علاقاتها الدولية وتوجهاتها السياسية والاقتصادية وأكسبتها موقعًا متقدمًا على الخريطة الدولية وعززت تميزها كدولة متقدمة ورائدة في مجتمعها الدولي. أهم تلك المستجدات أن معادلات التوازن السابقة التي حددت بعض الدول العربية كأطراف مهمة في النزاعات الإقليمية حربًا وسلامًا وتطبيعًا لم تعد قائمة الآن، بعد أن أصبحت المملكة القوة الأساس التي أصبح بإمكانها التصدي للمخاطر التي تواجهها المنطقة حتى بغياب تلك الدول، وأصبح من المفهوم ضمنًا أن تطبيع إسرائيل مع بعض الدول العربية لا قيمة له ألبتة، لأن ذلك التطبيع بدون السعودية يفقد كل معنى له. كما أصبحت السعودية تضع مصلحتها الوطنية فوق كل اعتبار، وتؤكد على أنه لكل شيء مقابل. أما أهم تطور والمستجد الأكبر في تلك المتغيرات والمتحولات فهو أن سمو الأمير محمد بن سلمان هو أول قائد عربي يضع علاقاته مع واشنطن في مستوى الندية، ويطبق بأساليب عملية مبدأ “عدم التدخل في الشؤون الداخلية للمملكة من أي طرف كان”.
هذه المستجدات بخطوطها الحمراء نقلت المملكة إلى دولة لها مكانتها الكبيرة يخطب العالم كله ودها، في عالم على أعتاب نظام دولي جديد، أصبح من الواضح جليًا أنه سيكون للمملكة موقع متقدم ومكانة بارزة في هذا النظام الدولي الجديد الذي تتبلور ملامحه الآن.
على الصعيد الداخلي أصبح الانفتاح الصفة السائدة في التطور الحضاري والثقافي في المملكة، التي تسير في هذا المجال وفق رؤية 2030 التي وضعت من أجل مستقبل يليق بالمملكة، ويحقق آمال قادتها وطموحات شعبها، ولعل أن أهم ما يميز هذه الحقبة المباركة من تاريخ المملكة التليد فتح أبواب المعرفة على مصراعيها أمام المواطن والمقيم، ولي شخصيًا تجربة خاصة في هذا المجال، فحديثًا صدر لي عدة كتب نشرت في المملكة تباعًا هي: “استهداف الطفل الفلسطيني”، و”الكنعانيون: الفلسطينيون القدماء”، و”ثلاثون أكذوبة صهيونية”، هذه الكتب لم يستغرق فسحها سوى بضعة أيام قلائل، وهي خير دليل على أن القضية الفلسطينية هي قضية سعودية بالدرجة الأولى، إلى جانب أن سرعة فسح تلك الكتب تقدم الدليل على الانفتاح الثقافي في المملكة.