في عصر ما بعد الحداثة، يفقد الدالُّ مدلوله، ويتخلّى العقل عن بنيته المعرفية، وتنفصل المعرفة عن بنيتها التكوينية، وقد تأسست هذه المنطلقات على يد الفيلسوف الألماني نيتشه، فقد كانت البلاغة تُمارس القمع اللغوي بتوجيه اللغة -على حد تعبير نيتشه- ثم يرى أن المجازات البلاغية في حقيقتها جيش متحرك داخل بنية الخطاب.
يقول نيتشه: (من الوهم أن نفترض مفسرًا، أو ذاتًا أو نبعًا لتكوين الأشياء وصياغتها. ذلك أن المفسر هو نفسه نتاج لغة أو قوة. وعلى ذلك لا داعي أن تسأل من المفسر. العبرة بسؤال آخر عن علاقة التفسير بالإرداة العظمى للقوة).
وهذا الرأي النيتشوي يجعل الحقيقة لا شيء، ولا وجود له موضوعي في الواقع، إنما هو إرادة القوة.
وتوغل هذا التفكير فيما بعد الحداثة حيث خرجت هذه الفكرة عن السيطرة؛ وذلك على يد جاك دريدا الذي أسس التقويضية، وصرح بهدفه الأول وهو تقويض بنية العقل الغربي بكل ما تتشكّل منه تلك البُنى.
ولقد كان هاجسه الأول هو البدء بإزاحة سلطة اللغة التي هي عماد الفلسفة والحكمة.
فليس من العقل -في نظره- الاعتماد على العقل الغربي في تفسير الحياة، والعلاقات، والأخلاق، والمفاهيم.
لأن العقل الغربي يرضخ للرأسمالية الغازية التي شكلت أنساق التفكير الإنساني، وصاغت له تفسير الحياة وفق رؤيتها. فالعقل مقموع بعقل رأسمالي.
وهنا تبدأ التفكيكية مهمتها وهي زرع التشظي والافتراق داخل العقل الملتحم حول التفسير الرأسمالي للحياة، بل للكون والوجود.
ونعود مرةً أخرى إلى السؤال عن الحقيقة التي لم يعد لها وجود في ظل صراع ما بعد الحداثة بين تفكيكية مغرقة في التقويض، وبين رأسمالية مسيطرة على التفسير الفلسفي لكل معاني الحياة.
للحديث بقية -إن شاء الله-.