تمرُّ علينا الكثير من الأحداث والمواقف التي نستفيد منها، ونكتسب منها دروسًا وخبرات في الحياة لتربية وتطوير ذواتنا، وزيادة شخصياتنا نضجًا ونجاحًا.
غير أنه في هذه المرة ستكون خبراتنا مُكتسبة من مصدر ونوع مختلف تمامًا قد لا يخطر على بال الكثير منَّا ألا وهي بطولات ومباريات كرة القدم.
نعم لا تستغرب ذلك فمباريات كرة القدم مليئة وحافلة بالدروس الذاتية والإدارية والتربوية.
ففوز نادي الاتحاد السعودي ببطولة دوري روشن هذا العام ٢٠٢٣ بعد انقطاع دام ثلاث عشرة سنة تقريبًا يُعلمنا أن التخطيط والإرادة والعزيمة والهمة مع الصبر هي عوامل كفيلة لتحقيق النجاح والإنجاز مهما كان صعبًا ومستحيلًا.
وأظن أنك سمعت كما سمعت أنا مرارًا وتكرارًا عدم الاستسلام واليأس، وأنه لا مستحيل ولكننا رأينا ذلك واقعًا من خلال تحقيق فريق الاتحاد للبطولة بعد تلك الفترة الطويلة، ولو لم يكن لديهم روح التحدي وعدم اليأس والاستسلام لما واصلوا طريقهم وصبروا وتحمَّلوا حتى حققوا الحلم والإنجاز والبطولة.
إن الإنسان الماضي لأهدافه يجب أن لا يلتفت للدعوات المثبطة من الآخرين مهما كثر عددهم وتنوعت أساليبهم، وهذا ما حدث مع نادي الاتحاد؛ فقد سمعنا كثيرًا عن دعوات السخرية والاستهزاء بهذا الفريق طوال السنوات الماضية، والمطالبات باستقالة الإدارة وتنحيها لكن ذلك لم يفت في عضد الإدارة والفريق وواصلوا طريقهم وتحملوا كل الانتقادات، وحاولوا واجتهدوا وركزوا جهودهم نحو الهدف حتى حققوه؛ فصفَّق لهم من هاجمهم ومدحهم من انتقدهم بالأمس.
لكنك إذا فشلت في الوصول لأهدافك؛ فلا تكرر نفس المحاولات وإلا لوصلت لنفس النتيجة، وإنما غيَّر العمل وجدد المحاولات، واسلك طرقًا مختلفة وتعلم من تجاربك غير الناجحة وهذا ما فعله نادي الاتحاد فقد استقدموا عددًا من المدربين حتى وصلوا للمدرب الجيد المناسب، وتعاقدوا مع لاعبين أجانب وسعوديين حتى وجدوا التوليفة المناسبة من لاعبي الخبرة والشباب والذين حققوا الإنجاز والهدف المطلوب.
ومهم جدًا إذا ما أردت النجاح وتحقيق الإنجازات أن لا تشغل نفسك بمعارك جانبية، وترد على كل منتقد وتنشغل عن الهدف الأساسي الذي تسعى لتحقيقه؛ لأن ذلك يشتت جهودك وتركيزك وطاقتك، وهذا ما فعلته الإدارة الاتحادية هذا العام؛ فلم تلتفت لكل الانتقادات ولم ترد على كل اتهامات جانبية، وكان جُل اهتمامها وتركيزها نحو هدفها وهو البطولة والإنجاز، وكما يقول الرياضيون: اجعل ردك في الملعب وليس في المكتب، ونحن نقول: اجعل ردك بالتركيز على أهدافك وكيفية تحقيقها.
لقد وجَّه نادي الاتحاد رسالة للمديرين والقادة بضرورة وأهمية روح الفريق وتعاونهم في تحقيق الأهداف المرجوة؛ فلولا الروح العالية والتعاون والتكاتف بين لاعبي الفريق لما تمكنوا من تحقيق هذا الإنجاز وهذه البطولة.
إن الإنجازات والنجاحات والأفراح لا تأتي فرادى بل تتعدد وتتوالى وتتصاعد نحو القمم، وهذا ما حدث مع نادي الاتحاد فحقق كما يقول خبراء الكرة الدوري الاستثنائي بكل المقاييس، وكذلك كأس السوبر وانطلق نحو الترشح للبطولة الآسيوية بل سيُشارك أيضًا في كأس أندية العالم، والذي تقرر أخيرًا إقامته في عروس البحر الأحمر مدينة جدة.
وهكذا الإنسان الحكيم يتأمَّل في الأحداث والمواقف التي تمر به وتحدث أمامه؛ ليستخلص منها العبر والحكم.. ففي المرة القادمة راقب وتأمَّل مباريات كرة القدم وبطولاتها فحتمًا ستضيف إلى متعتك في المشاهدة متعة أخرى أهم تُضاف إلى خبراتك في الحياة.