■ في إحدى جولاتي الصحفية في كشف المستور، تجولنا في منطقة تُعد من ضواحي منطقة مكة المكرمة عام ١٤٢٦هجرية، كنت أركز في الجولة على ما تحتاجه المنطقة من خدمات مختلفة ومعيشة كريمة، وجميع الجولات ولله الحمد أثمرت بفضل الله ثم بتوجيهات أمير المنطقة.
إلا أن هذه القصة التي أذكرها لكم لم تزل عالقة في ذاكرتي، ولم تنطفئ سيرتها المحزنة ولكنها الأقدار فوق كل شيء … فبعد ما بدأنا جولتنا ومعنا مجموعة من كبار أعيان المنطقة الكل يدلي بدلوه عن رغباتهم وأمنياتهم ومعاناتهم والحياة المعيشية التي يعيشها الأهالي..ونحن نسير إذ لفت انتباهي رجل كبير في السن يجلس أمام بيته وحوله أطفال صغار، وفي بطنه ما يشبه المغذية الطبية مليئة بالدم ويحيطها الوسخ بشكل حزين جدًا.. تركت من حولي وذهبت إليه بل وجعلته شغلي الشاغل وأهم من جولتي كلها.. أخذت أتحدث معه عن ظروفه وعلمت أن هولاء الأطفال هم أبناؤه وأحفاده.. وأنه يعاني من فشل كلوي منذ مدة من الزمن، ولا يملك قيمة التاكسي الذي ينقله من وإلى المستشفى، وأن أقرب مستشفى إليه يبعد بمسافة ١٤٠ كيلو وأنه ينتظر الفرج أو الموت.. دونت كامل معاناته وسيرته وحالته الصحية وأكملت الجولة على عجل ثم رجعت إلى الصحيفة، وقررت أن أبذل قصار جهدي حتى أنشر معاناته لعل الفرج يحالفه..وبعد عمل متواصل مكث أكثر من ٢٠ ساعة، وأنهيت المادة الصحفية خلال أيام ثم ذهبت لمنفذ الصفحة، وأجد عنده زحمة كبيرة من المواد تنتظر دورها في النشر، وأن الانتظار قد يصل إلى ٦ أشهر .. إلا أنني دفعت للمنفذ رشوة محمودة لإنقاذ الرجل المسن، وقد نجحت في ذلك وبعد ٣ أسابيع نشرت أول حلقات الجولة، وكانت عن قصة هذا المسن السقيم، وما يعانيه من المرض ..وبعد النشر اتصل علينا أحد المتبرعين من الشخصيات الاعتبارية المعروفة، تواصل معي مكتب سموه الكريم، وقال صدر لهذا المسن الأمر الكريم بعلاجه داخل المملكة أو خارجها وعلى نفقته هو ومن يرافقه والعلاج والسكن والتنقلات، وكل ما يحتاجه مجانًا وبشكل عاجل.. يعلم الله سعدت كثيرًا وكأن من أعطاني مليون ريال .. على طول اتصلت بالوسيط هناك لكي أزف له هذه التباشير المفرحة.. إلا أن الوسيط أخذ يجهش بالبكاء وبكاء شديد توقعته من شدة الفرحة إلا أن الأمر غير ذلك .. وإذا يخبرني بأن المسن قد انتقل إلى رحمة الله وأن اليوم هو اليوم الثالث من العزاء.
يالله بكيت معه وقلت له ترك رحمة خلق الله، وذهب إلى رحمة أرحم الراحمين … ثم اتصلت بمكتب سموه وأبلغته وقال كتب الله أجرك وأجرنا يارب .. وتذكرت سهري لأكثر من ٢٠ ساعة متواصلة لأكتب قصة المسن …