من أمتع الكتب التي قرأتها، كتاب بعنوان “أجنحة من نار”، صدر عام 1999م، يحكي السيرة الذاتية لزين الدين أبو بكر عبد الكلام، ثالث رئيس مسلم لدولة الهند ، الذي عُرف شعبيًا بلقب “رجل الصواريخ”، صار بطلًا قوميًا بعد أن عزز مركز بلده الهند كإحدى الدول الحائزة على أسلحة نووية. في الكتاب سرد للسيرة الذاتية لأبو الكلام من أيام الطفولة المبكرة وظروفه الصعبة في أيام المدرسة، والأعمال الصغيرة التي قام بها والتي مكنته من دفع الرسوم المدرسية، لأن تلك الطفولة سردت شيئًا من حكايات بلده الهند في العصر الحديث، إذ لا يمكن النظر إلى قدرة الفرد بمعزل عن نسيجه الاجتماعي.
إن اتخاذ أبو الكلام قرارًا لأن يكون نباتيًا يعود جزء منه بالأساس إلى القيود المالية الصعبة التي عاشها عندما كان طالبًا في الكلية، ومحاولاته المحبطة التي قام بها لكي يصبح طيارًا في سلاح الجو الهندي، وشاء القدر أن يصبح عالمًا ومهندسًا للصواريخ، لا جابيًا كما كان يحلم بذلك والده. كانت حكمة العالم البريطاني مكتشف الجاذبية الأرضية إسحاق نيوتن القائلة: “الوقوف على أكتاف العمالقة”، في مخيلته على الدوام، من أجل ذلك كان يدين للكثير مما لديه من المعرفة والإلهام إلى المجموعة المميزة من العلماء الهنود الذين لعبوا أدوارًا بارزة في حياته وفي تاريخ العلوم في بلده الهند على مر العصور، مثل عالم الفيزياء الهندي (فيكرام سارابهاي)، الذي يُنسب إليه لقب والد برنامج الفضاء الهندي، أو الشاب (أرون تيواري) وهو وأحد من زملائه العاملين في مختبره منذ عام 1982م، والذي قام بعمل ممتاز في إنجاز هيكل صاروخ آكاش النووي من البداية حتى تم الانتهاء منه خلال ثلاث سنوات.
إنها قصة الطموح الوطني والجهود التعاونية، إنها قصة الهند بحثًا عن الاكتفاء الذاتي في المجال العلمي وكفاءتها التكنولوجية التي بذلتها من أجل التأكيد على سيادتها وقوتها وأمنها الوطني. طالما تقاتل الناس تاريخيًا فيما بينهم من أجل قضية أو أخرى، كانت الحروب في الماضي تندلع على الغذاء والملجأ، وبمرور الزمن أصبحت تندلع بسبب الأديان والمعتقدات، وحاليًا تدور رُحى الحروب على التفوق الاقتصادي والمعرفي.
(كل نوع من المخلوقات في هذا الكوكب الجميل خلقه الله لأداء دور محدد، وجميع ما أنجزته في حياتي لم يكن إلا بفضل الله ومشيئته. فقد أغدق عليَّ فضله بواسطة بعض الأساتذة والزملاء الممتازين. لا يسعني إلا أن أسبح لله سبحانه الذي ساعدني في إنجاز جميع هذه القذائف والصواريخ بواسطة شخص صغير يدعى “زين العابدين أبو الكلام”، ليقول لملايين الناس في بلده الهند: إنه ينبغي أن لا يشعروا بأنهم بلا أهمية أو أنهم عاجزون عن شيء)؛ النص الأخير مقتبس من مقدمة الكتاب.
0