إنَّ الشائعاتِ أكثر ما تَنطلق من أناس قلَّ خوفُ الله في قلوبهم، ولا أدلَّ على ذلك ممَّا نشاهده حاليًا في الفضاء الإلكتروني، وما تلحقه من أذى للفرد والمجتمع، وقد جاء في كتاب الله نماذج للكثير من الشائعات التي تُخلُّ بالأمن، وتجلب الوَهن، وتُحقِّق مرادَ الأعداء في تركيعِ المؤمنين، وكسْر شوكتهم مِن ذلك:
سيدنا موسى -عليه السلام- يحمل دعوة ربه إلى فرعون وملئه وقومه، فيملأ فرعون سماء مصر، ويُسمّم الأجواء بما يطلق عليه من شائعات فيقول: إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِه [الشعراء:34، 35]، ويتّهمه بالإفساد: إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ [غافر:26].
في عهد النبي وأصحابه ومن بعدهم فخذوا على سبيل المثال حين أُشِيع بأن مشركي مكة قد أسلموا رجع من رجع من المهاجرين هجرة الحبشة الأولى، وقبل دخولهم علموا أن الخبر كذب، فدخل منهم من دخل، وعاد من عاد، فأما الذين دخلوا فأصاب بعضهم من عذاب قريش.
وفي معركة أحد عندما أشاع الكفارُ أن الرسول قُتِل فَتّ ذلك في عَضُد كثير من المسلمين، حتى إن بعضهم ألقى السلاح وترك القتال.
وفي حمراء الأسد بعد غزوة أحد مباشرة تأتي الشائعة: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ [آل عمران:173].
ومن أعظم الشائعات التي هَزّت المجتمع الإسلامي بأكمله وجعلته يتأذى بنارها شهرًا كاملًا إنها شائعة الإفك التي أطلقها رأس النفاق عبد الله بن أُبيّ بن سلول لعنه الله، فراجت وماجت في المجتمع المدني؛ فمنهم من تلقّاها بلسانه، ومنهم من سكت، ومنهم من ردّها وقال: مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ [النور:16].
ولَمَّا توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- اشتغل الكفار والمنافقون بإشاعة وهي كيف يموت النبي، لو كان نَبِيًّا ما مات، ولرد عن نفسه الموت، حتى خرج عمر بن الخطاب ومعه سيفه يقول: من ادعى ذلك فسأقطع رأسه. واضطرب الناس ولم يتحملوا الموقف، حتى خرج أبو بكر -رضي الله عنه- وخطب خطبته فقال: مَن كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومَن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. جاء بالخبر اليقين وتلا قوله تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ﴾ [سورة آل عمران: الآية 144].
وبعدَ عهْد النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – كانتِ الشائعةُ السببَ الأول في قتْل الخليفة الراشد عثمانَ بنِ عفان – رضي الله عنه – تَجمَّع أخلاطٌ من المنافقين ودَهْمَاء الناس وجَهَلَتِهم، وأصبحتْ لهم شوكة، وقُتِل عُثمانُ – رضي الله عنه – إثْرها؛ بعدَ حِصاره في بيته وقَطْعِ الماء عنه، بل كان مِن آثار هذه الفِتنة أنْ قامت حروبٌ بين الصحابة الكرام، كمعركة الجمل وصِفِّين.
فمَن كان يتصوَّر أنَّ الإشاعةَ تفعل كلَّ هذا؟!