قال تعالي: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) (التكوير: 29)!!
هذه الحياةُ الدنيا تجري بقدرِ الله، وتسير على ما أراد الله سبحانه، وما يدري الإنسان وهو يسير في هذه الحياة أين يمكنُ أن يكون الخير؟ وربما سعى سعيه لأمرٍ فصرفه الله عنه لخير أراده به، وربما كره شيئًا؛ فكان في قضائِهِ الخير له ولمن حوله.
وقد مرتّ بي شخصيًا قصصُ وتجاربُ عجيبة، كلها مصاديقُ لهذه الحقائق الإيمانيةِ. حين تخرجت من قسم الرياضيات والفيزياء بجامعة أم القري تقدمت للإعادةِ ولم أحظَ بها رغم أني كنت بفضل الله الأول على الدفعةِ، وكنت أحمل توصيةً من رئيس القسم يومها الدكتور (هاشم حبشي) -رحمه الله- باستحقاقي، كان بوسعي أن أتحرك وأوسِّط وأسعى، فدرجاتي تجعلُ لي أولويةٍ، ولكني تركت الأمر كله لله، وقلت: لعل في ذلك خيرًا!
رضيت بقدر الله سبحانه وتذكرت قوله تعالي: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) (التكوير: 29). التحقت بعدها بسلك التدريس، فباشرتُ مدرسًا في متوسطة عمر بن الخطاب، وفي نفس العام انتقلت إلى ثانوية الحسين بن علي مدرسًا للرياضيات بطلبٍ من مديرها ومديري الأستاذ (جميل عطار) -رحمه الله- عندما كنت طالبًا في متوسطة بلال بن رباح بالمسفلة. وأذكر أنه قال لي: بكري جاء يوم ردّ الجميل، فتعال إلى مدرستي مدرسًا أحتاج مدرسًا للرياضيات وأنا أعرفك.
في العام التالي تم ترشيحي من قبل عميد الكلية المتوسطة للتدريس فيها، بعدها بعام رُشّحت لدراسة الماجستير في أمريكا، اعتذرت لرغبة الوالدة في بقائي بجانبها، أطال الله في عمرها بصحة وعافية. ألزموني بعدها بالعودة إلى التعليم العام، ذهبت وكان مدير التعليم وقتها المربي الأستاذ (سهل المطرفي) -رحمه الله-، الذي قابلني كأب قائلًا: أريدك أن تكون مديرًا لشؤون الطلاب! قبلت على مضضٍ؛ لأني لم أكن قد توليت عملًا إداريًا قبل ذلك.
وبعدها بشهرين، شاء الله واتصلت بي جامعة الملك عبد العزيز لتطلبني معيدًا عندها، فجاء يطلبني ما كنت أطلبه فلم أجده! وبدأت بعدها رحلة الابتعاث بكل ما فيها من ذكرياتٍ ودروسٍ.
وأعجب من هذا كله أن يشاء الله بفضله وكرمه وإحسانه أن أعود إلى جامعة أم القرى مرة أخري (مديرًا) بعد أن فاتني شرف أن أكون فيها معيدًا!!
سبحان الله العظيم: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) (التكوير: 29)
ما ذكرته ليس دعوة لترك الأسباب، كلا، فالأخذُ بالأسباب واجب ودين، ولكنها دعوة لتعليم القلب أن الأمور كلها بيد الله، وأن الإنسان إذا بذل جهده فليرضَ بما قضاه الله وقدّرهُ.
ما ذكرته دعوة للواحد منا أن يطمئن إلى أن مشيئة الله فوق كل مشيئةٍ؛ ولذلك فلو اجتمعت الأمةُ كلها كما أخبر -صلي الله عليه وسلم- على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله (لك)، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله (عليك). كما رواه الترمذي في صحيحه.