كثرت الأحاديث عن كبار السن؛ وكأنهم أصبحوا ألمًا في خاصرة المجتمع. وآخر ما أُتحفنا به هو أن أحدهم شنَّ حملة بكلمات كالسياط علي معنويات كبار السن؛ حيث يقول: إنهم لا شغلة لهم إلا الذهاب الي المولات ووصفهم بأنه لا حياء عندههم ويحسبون نفسهم شقردية، وهم ظهورهم مقوسة وشعرهم أشيب ولبسهم مش ولابد. وليسوا من الذين عندهم سيارات فارهة تستميل القلوب. يعني المشكلة الأكبر أنهم ليسوا (زكرتية) أما لو كانوا متشيكين ومريشين فلا بأس.
يا إخوان تري كبار السن مش ناقصين هم؛ لأنهم يكادوا أن يقولوا حتى على الموت لا نخلو من الحسد. ألا يكفهم نظرة بعض المؤسسات كالبنوك والتأمين وغيرهم؛ وكأنهم انتهت صلاحيتهم. هل الشباب سيظلون شبابًا أو أن هؤلاء ولدوا كبارًا ولم يشيبوا بعد ما أدوا واجباتهم سواء للوطن أو في تربية أبنائهم. أو كأعضاء في المجتمع..
يا من هذه نظرتكم وتحكمون علي كبار السن بالإقصاء من المجتمع. تري هؤلاء هم آباؤكم وجدودكم، ولولاهم وبعد مشيئة الله لم تأتوا إلى هذه الحياة ولم يصبح لديكم لسان ذرب يكنس ويرش. وكأني بلسان حال هؤلاء الكبار يقول:
أعلمه الرماية كل يوم
فلما اشتد ساعده رماني.
من العيب وإنكار المعروف وانعدام الوفاء التنمر على آبائنا وجدودنا وإخواننا الأكبر منا سنًا.
وكنموذج لما قد يُصادفه كبار السن أنقل لكم بعض ما جاء في مقال سابق لي.. حدثني صديقي فلان، أن صديقًا له كان في عمل إداري، وجاء الوقت لأن يترجل من عمله، فقد بلغ سن التقاعد. لكن الناس لم يتركوه في حاله، يريدون منه أن يكون منشأ، لأن هذا هو الإتيكيت، الذي يجب أن يتبعه كل صاحب كرسي، أو الكبير في السن، فمرة ذهب حاسر الرأس إلى أحد المولات وقابل بعضهم، فبادره أحدهم، إيش فيك الْيَوْمَ، فناظر من حوله نعم خير يا طير، قال له إنت بعقلك ماشي لنا بدون غترة وعقال، عاد من زين شعرك المنعكش، رد أنا ماشي لنفسي ما هو لكم، وشعري مناسب لسني إيش المشكلة.. المشكلة كنت مسؤولًا والآن كمان شايب وتخرج مفرع بدون غترة وعقال، يا جماعة الغترة في السيارة قلت شوية أريح طاسة راسي، رحت للسيارة، ووضعت الكوفية والغترة والعقال، وذهبت لأشتري عطرًا أغير جو الرطوبة والنكد ، فأخرج البائع زحاجة، ورش بخة منها وقال، ايش رأيك، قلت جميلة بس متأكد هذه عطر رجالي، رد ما عاد في رجالي وحريمي كله «يوني سيكس» تعطرت منها، وخرجت وإذا من خلفي أصوات، وأناظر إذا صديقي زيد وعبيد، وبدون سلام قالوا من فضلك هو في عطر رجالي زي اللي متعطر منه، رديت إيش قصدكم، قالوا هذا عطر من ريحته واضح إنه نسائي، ترى ما يليق بمقامك وعمرك، رديت أنا لا أفهم في العطور، والعطرجي أكد لي أنه يصلح للجنسين، وطالع زيد لعبيد، وقال مالنا ومال خلينا نروح قبل ما يشوفنا أحد واحنا معاه. مشيت ووجدت بائع أيسكريم، قلت خليني أبرد على قلبي، وفِي طريقي قابلني زيد وعبيد آخرين، وعلي طول وين يوجعك، إيش فيك إنت خرفت ولا بعقلك، قلت ليه، ردوا، إنت بالله عليك مو عارف؟ ليه، إنت رجعت نونو؟ رديت كيف نونو، وأنا شايب «بقرونو».. فرد عبيد: واحد في منزلتك وفي سنك ماشي في السوق وتأكل ايسكريم، فين الوقار، وأنت ماشي تلحس الأيسكريم بلسانك، قلت المرة الثانية ابشروا راح ألحسه بخشمي وايش فيها يعني الأيسكريم من الممنوعات.. طالعوا فيني، وقالوا بيتريق كمان، شكلك تزهمرت. سكت ومشيت، وإذا بشاب، سلم، وقال إنت مش عّم فلان من مشجعي النادي «X» وكنت في العمل الفلاني، رديت نعم أنا الذي تهببت في الوظيفة الفلانية، قال ممكن أتصور معك، طبعًا هو لابس بنطلون وقميص مزركش، وحالق شعره، مثل موضة هذه الأيام، قلت تفضل، وصورنا سلفي، وأرسل صورتنا إلي أصدقائه، شوية والرسائل ترف علي الواتس، إنت إيش سويت، هزأتنا قدام اللي يسوي واللي ما يسوي. خير، ايش سويت، ردوا الإخوة الأعداء، متصور مع واحد قد بزورة بزورتك. ومن شباب ذي الأيام.. تركت المول، وأنا أردد، يا ناس سيبوني في حالي، ودي أعيىش بعيدًا عن الوظيفة والبرستيج الكذاب، والعزف النشاز علي وقار الكبار، .يا خلق الله أنا إنسان بسيط أبغي أعيش بقية عمري، كأي فرد في المجتمع، ارحموا مواطنًا خلع عباءة المرتبة والمقام، وتركها لكم، أما السن فمالي فيه حيلة. المهم بعدها، صرت ما أفصخ الغترة والعقال إلا عند الحلاق وأرفض التصوير، خاصة اذا شفت واحد من الشباب جاي من طريق أطير زي العصافير، وآخذ معي شريطًا لاصقًا، فإذا قربت من محلات الأطعمة أضع اللاصق على فمي عشان سد الحنك وللاحتياط أشيل مشلح تحت ذراعي. الظريف بعد ما شافوني كدا، قالوا باين عليه اتجنن، خلوا أهله يخبوه في البيت حتى لا يفضحنا، وأنا أقول تعقيبًا علي كلام صديق صديقي، ولمن لامه على سجيته وتلقائيته، ولمن يشن حملة علي كبار السن تحت رداء التقاليد والعيب والسمعة. انظروا بصدق إلى دواخلكم فهناك من الأفعال الكامنة والمتحركة في الصدور والتي تخجل من نفسها، والتي ترقى بالنسبة لها أفعال خوينا العفوية والإنسانية إلى درجات سمو الأخلاق ورقي الصفات وتواضع الكبار.