سؤال مُجرد
“دبغنا الحر”.. جملة مختصرة نكاد نرددها جميعًا في أغلب مدن المملكة، ما عدا أهلنا في منطقتي عسير والباحة، ويشاركنا معظم دول العالم التي تُعاني من ارتفاع درجة الحرارة في صيف هذا العام، بسبب الاحتباس الحراري أو التطرف المناخي الذي تتسبب به في الأغلب الدول الصناعية الكبرى؛ نتيجة تزايد انبعاثات الكربون والغازات الدفيئة، وانتشار حرائق الغابات خلال الأسبوع الماضي نتيجة ارتفاع الحرارة.
لستُ هنا للحديث عن الاحتباس الحراري فجميعنا يعرف مسبباته ونتائجه وحتى علاجه الذي لا يريده من تسببوا بالمشكلة.
ولكنني هنا للحديث عن مناطقنا السياحية، خاصة المناطق الباردة صيفًا، فـ”أبها البهية” كما يحب أن يسميها أهلها، أو “بنت عم السحاب” كما أسماها أخي الراحل الشاعر الكبير مساعد الرشيدي (رحمه الله)، وشهادتي فيها مجروحة؛ لأنني نشأت فيها منذ أن كان عمري عامين، وترعرعت بين ربوعها، وتشرفت بأن عشت بين أهلها الكرام وكلهم أهلي.
أبها، من المدن النادرة عالميًا التي تثلج في أغسطس، وتبيض فيها جبال السودة الرائعة، وتستطيع أن تكون فوق السحاب وتنظر إليه من علٍ من منتزه السحاب، والمزارع الجميلة في طبب، ومنتزهات طور آل يزيد والشرف ودلغان والفرعاء وتمنية، ورحلة التلفريك الجميل نزولًا إلى الحبلة، والمقومات السياحية المذهلة في مدينة أبها من مطاعم جميلة وكوفيهات والمدينة العالية وحديقتي أبو خيال والأندلس، وكذلك مدينة خميس مشيط، ورجال ألمع، وكل المدن والمراكز مثل: الواديين وأحد رفيدة وسراة عبيدة، وباللحمر وباللسمر والنماص وتنومة، وغيرها من المدن التي حباها الله بطبيعة ساحرة وأجواء باردة طيلة العام، وكذلك منطقة الباحة ومدنها الجميلة ومراكزها، مثل: بالجرشي والعقيق وغيرها.
كل شيء جميل في هاتين المنطقتين ومحفز للاستثمار السياحي، إلا أن رأس المال للمستثمرين المحليين ما زال جبانًا عن الاستثمار القوي والكبير فيها رغم تعطش مدن هاتين المنطقتين للاستثمار في قطاع المدن الترفيهية وقطاع الإيواء والتسويق الخارجي للعقار، على الرغم من الزحام الشديد بالمصطافين كل موسم صيف وحتى في الشتاء تظلان وجهتين ساحرتين، إلا أنهما ما زالتا بحاجة ماسة للإقبال من قبل رؤوس الأموال السعودية والخليجية والعربية وحتى العالمية للاستثمار فيهما، أثق تمام الثقة بأنهما تُمثلان فرصًا استثمارية كبيرة ولا بد من استغلالهما وستكون عوائدهما الاقتصادية كبيرة للمستثمرين وللمنطقتين وللاقتصاد الوطني، خاصة في ظل رؤية السعودية 2030، والطموح الكبير لسمو ولي العهد، ووجود الأمير تركي بن طلال أمير منطقة عسير، والأمير حسام بن سعود، وهما أميران شابان لديهما طوح ورؤية خلاقة ومبدعة غير نمطية.
ويبقى السؤال: لماذا يعزف المستثمر المحلي عن مناطقنا السياحية؟! وهو الأهم، ولماذا يعزف المستثمرون الخليجيون والعرب وحتى العالميون عن الاستثمار في هاتين المنطقتين؟
لماذا لا نرى فنادق الريتز كارلتون، وهيلتون، وموفنبيك، وماريوت، وغيرها من الفنادق العالمية في أبها وخميس مشيط والباحة؟
لماذا لا نرى الماركات العالمية لويس فيتون وكارتييه وبولجري ودولتشي جابانا وشانيل وغيرها في مولاتها؟
لماذا لا نرى مدن ملاهي مثل: شلال جدة على الأقل، أو وونتر وندر لاند، وغيرها فيها؟
لماذا لا نرى رياضات تزلج عندما تثلج جبالها؟
لماذا لا تُقام في جبالها رياضات هايكنج عالمية؟
كثيرة هي الأسئلة، المشوبة بالحسرة عن هاتين المنطقتين، وعن مناطق أخرى في المملكة تستحق من المستثمرين أن تتخلى عن حالة الجُبن المزمن لرأس المال المحلي، وأن يستوعبوا أنهم سيكسبون، وسيمارسون دورًا عظيمًا في تدوير رأس المال الوطني داخل حدود الوطن، وعودة المليارات المهاجرة خارج المملكة كل صيف، ووقتها ستكون حتى أنظمة السياحة صارمة في ضبط الأسعار لخدمة السواح.