بدايةً سوف سنتحدث عن معنى مصطلح “سوشيال ميديا” وباللغة الإنجليزية Social Media، ومعناها بالترجمة الدقيقة “وسائل التواصل الاجتماعي ” .
وتختلف وتتنوع هذه الوسائل تبعًا لاختلاف فكرة تأسيسها، والذي كانت في بداية نشأتها باللغة الإنجليزية فقط، ومن ثم تطورت وتدرجت في تحديثاتها المستمرة إلى أن أصبحت مترجمة إلى أكثر من لغة، والتي من ضمنها اللغة العربية.
ولقد كانت هذه الكلمة مندثرة وشبه منعدمة منذ القدم، ولم يكن لها أي معنى أو أثر في الزمن الماضي الجميل.
ولكن مع تطور الحياة، وظهور العديد من وسائل وأجهزة التكنولوجيا الحديثة، أصبحت هذه الوسائل الحديث الشاغر في مختلف المجتمعات أيًا كانت، لدرجة أنها أثرت على بقية الوسائل الأخرى كالرسائل الورقية والهواتف الثابتة واللوحات الجدارية والصحف والمجلات الورقية، وما إلى ذلك من وسائل عديدة، رغم أنه ما زال البعض يحتفظ بتلك الوسائل العتيقة، والتي تُعتبر من النوادر في الزمن الحاضر وللجيل الحالي والقادم.
على عكس الزمن الحالي، فلقد يتراءى للكثير منا كثرة استخدام مصطلح سوشيال ميديا، وغالبيتنا وخاصة جيل ما بعد الثمانينيات يعرفون مدى أهميتها في حياتنا اليومية وممارساتنا المرتبطة بها حاليًا.
قديمًا كانت السوشيال ميديا عبارة عن استقلال كل أسرة بأفرادها لا أحد يعلم بحياتهم شيئًا، يستيقظ الأفراد في الصباح الباكر، ويتناولون وجبة الإفطار؛ حيث كانت غالبية الأمهات ربات بيوت، فيودعن أطفالهن صباحًا للذهاب إلى مدارسهم، كما يذهب الآباء إلى أعمالهم، وتلتفت الأم إلى أعمال المنزل من ترتيب وتنظيف وطبخ وما إلى ذلك من أعمال، إلى أن يحين وقت الظهيرة حيث يعود الأب بأطفاله، وتستقبلهم الأم بصدر رحب، وقد أعدت لهم ما يسد رمقهم، ويجتمعون على مائدة طعام واحدة، وبعد انتهائهم تناول الغذاء يساعدون بعضهم البعض في إنهاء أعمال المطبخ، ثم يجتمعون لمشاهدة التلفاز وشرب الشاي وتبادل أطراف الحديث.
حيث كانت السوشيال ميديا قديمًا عبارة عن جهاز تلفاز فقط به القليل من القنوات الفضائية ذات الأبيض والأسود، والذي لا يملكه إلا الأسر المقتدرة ماليًا، كما أن هناك بعض الأسر من تمتلك أيضًا “جهاز هاتف منزلي” لجميع أفراد العائلة.
وكان وقت المرح واللعب والترفيه لدى الأطفال هو اجتماعهم مع بعضهم كتجمع أسرتهم أو مع أطفال الجيران في الحي الواحد، حيث يلعبون معًا بكل براءة دون وجود أي أجهزة في أيديهم، أو يجتمعون في بيت أحدهم لمشاهدة برامج الأطفال المحببة لديهم.
إضافة إلى أن غالبية الأسر كانت تجتمع نهاية الأسبوع للسهر وتبادل الأخبار مع بعضهم البعض، وفي بعض الأوقات ينضمون إلى مشاركتهم الجيران والأصدقاء في مناسبات الأفراح ومواقف الأحزان بعلاقات قوية وأخوية صادقة خالية من أي مشاحنات بينهم رغم وجود بعض المفارقات الاجتماعية بينهم، فمنهم الغني والفقير، ومنهم الموظف والعاطل، كما أن منهم المتزوج وغير المتزوج، والمريض والمتمتع بصحته، والمتعلم والجاهل، ولكن كانت حياتهم جميعهم سواسية لا فرق بينهم، وأسرارهم مدفونة في قلوب بعضهم دون المفاخرة بأي فرق بينهم.
تغيَّر الزمن وكبرت الأجيال وتطورت الحياة وتحول الزمن بالكامل، وكثرت الفروقات الاجتماعية والثقافية.
واقتحمت التكنولوجيا الحديثة حياتنا فجأة، واحتلالها وغزوها عقول صغارنا قبل كبارنا، وجاهلنا قبل عاقلنا، مما أثر على العلاقات الاجتماعية والثقافية والتعليمية.
فأصبح الجار لا يعرف جاره، والأخ لا يعرف أخيه إلا في وقت الفرح أو الحزن عن طريق وسائل التواصل وأحيانًا لا يعرف عنه شيئًا سوى أن له أخًا حيًا يرزق، رغم وجود التكنولوجيا التي بدورها ربط الأفراد ببعضهم وتقريب المسافات بينهم.
والأسر التي للأسف لا تعرف بعضها إلا من خلال هذه الوسائل والاكتفاء بها فقط، فاندثرت كثرة التجمعات واللقاءات.
فتلك الوسائل أدت إلى انعدام الخصوصية بين الأسر والأفراد، وظهور الكثير من الأشخاص ذوي المحتويات غير المفيدة لبعض متابعيهم، كما انتشرت حالات الطلاق والانفصال وانهدمت الكثير من العلاقات الأسرية بسبب تلك الوسائل، وامتلأت المستشفيات والمراكز الصحية بالأفراد الذين يعانون من ضعف النظر أو السمع أو عدم القدرة على المشي بسبب الجلوس الدائم والمستمر مما أدى إلى ضعف في حركة العظام وألم في المفاصل في الجسم، إضافة إلى إصابة الكثير منا بالأمراض النفسية كالاكتئاب والانعزال واعتزال الناس بسبب إدمانه على تلك الوسائل.
جيلنا القادم أطفالنا فلهم نصيب من السلبيات بسبب كثرة استخدام تلك المنصات من أجهزة الجوال أو التابلت، والتي انتشرت بشكل واسع على نطاق عالمي غير محدود، مما أدت لظهور العديد من الحالات الفكرية والعادات السيئة والتي غزت معظم المجتمعات كالتحريض والترويج لتعاطي المخدرات، وانتشار حالات الانتحار في سن العشر سنوات وغيرها من الحالات العجيبة.
فهل السوشيال ميديا سلبية فقط؟
“بالطبع لا” فهناك إيجابيات وتسهيلات تصب في مصلحة البشرية على جميع المستويات.
فتأتي مميزات وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عام في ربط الأفراد بين بعضهم البعض، فهناك بعض الدول أصبح أفرادها ضحية الحروب فاضطر إلى التغرب من بلده والتحدث بلغة غير لغته الأم، فساعده في عملية تواصلهم وتسهيل التأقلم والتداخل مع هذا المجتمع الجديد كمثال.
وأيضًا ساهمت وسائل التواصل في تبادل المعلومات والثقاقات بين الشعوب الأخرى، وأصبح للكثير من الأفراد علاقات علمية واجتماعية من دول أخرى أو من مدن أخرى مما زادت انفتاح العالم على بعضه.
ولمملكتنا الحبيبة “المملكة العربية السعودية” دور فعال ومميز في تطوير وتسخير تلك الوسائل والمنصات الإلكترونية؛ لتسهيل خدمات الحياة والمحافظة على تماسك المجتمع وتواصله مع بقية المجتمعات الأخرى في صور وأشكال عديدة فمنها: فرض شروط صارمة على تلك المواقع والتطبيقات للتواصل لمن هم تحت سن الـ 18 سنة، كما لا ننسى التطور السريع في عملية التواصل الحكومي في المملكة.
وأخيرًا: لكل شيء في حياتنا مميزاته وسلبياته، ولكن لا يعني ذلك أن ننعزل عن العالم بسبب تأثير تلك الوسائل على حياتنا، فلا بد من التنوع في استخدام كل ما هو جديد ودخيل في حياتنا.