إنا لله وإنا إليه راجعون .. لم يجف الدمع بعد على رحيل حبيبنا المستشار/ أحمد الحمدان قبل يومين حتى نقل إلينا الناعي صباح اليوم الجمعة العاشر من محرم نبأ رحيل سمو الأمير/ تركي بن محمد بن سعود الكبير إلى جوار ربه الكريم .. خبر مُفجع آخر زاد من كثافة سحابة الحزن التي صاحبتني في النزهة البحرية بمضيق البسفور الذي يفصل أوروبا عن آسيا ويربط البحر الأسود ببحر مرمرة.. وقد أعاد إليَّ الخبر المشؤوم شريط ذكريات رحلة زمالة ومحبة مع سموه بدأت فور عودتي من العمل في السفارة في باريس في خريف عام ١٩٨٩ إلى ديوان الوزارة في الإدارة الغربية التي كان يرأسها سعادة السفير، آنذاك، الدكتور نزار مدني، وكان نائبه سمو الأمير تركي -رحمه الله- وقد ازدادت عُمقًا وألفة مع مر الأيام خاصة بعد انتقال الدكتور/ نزار إلى مجلس الشورى وتعيين سموه رئيسًا لإدارة المنظمات الدولية؛ حيث وقع اختياره عليَّ لأكون نائبًا له، كما استقطب من الإدارة الغربية الزملاء عصام عابد الثقفي وجمال عقيل؛ ليشكل فريق عمل متفاهم متآلف استطاع بقيادته أن يرتقي بالإدارة لتكون واجهة مضيئة لوزارة الخارجية.. وقد أتاحت طبيعة عمل الإدارة رحلات عمل كثيرة لحضور المؤتمرات الدولية تعرفنا خلالها على ما يحمله سموه من طيبة طوية وجمال خُلق وسمو في التعامل مع زملائه. وحتى عندما عاد معالي الدكتور نزار إلى وزارة الخارجية بعد ستة أعوام قضاها في مجلس الشورى مساعدًا للوزير بمرتبة وزير ثم وزير دولة للشؤون الخارجية واختياره لي لأكون مديرًا عامًا لمكتب معاليه، استمرت علاقاتنا مع سموه بل توطدت أكثر بوجود الدكتور نزار. كان سموه وهو خريج جامعة أكسفورد ببريطانيا يمتلك ناصية اللغتين العربية والإنجليزية مما أهله ليكون دبلوماسيًا محنكًا وخطيبًا مفوهًا ومفاوضًا بارعًا في المحافل الدولية. وكان -رحمه الله- معروفًا بصراحته وشجاعته في طرح آرائه ومواقفه خاصة فيما يتعلق بقضايا موظفي الوزارة الذين كانوا كثيرًا ما يلجؤون إليه لتوصيل أصواتهم إلى أصحاب القرار في الوزارة.
تغمد الله الفقيد الغالي بواسع رحمته، وجعل روحه في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا..
خالص العزاء وصادق المواساة لأبنائه وكافة ذويه ولزملائه الذين افتقدوا برحيله أخًا وصديقًا غاليًا.. رحمك الله سمو الأمير تركي، وجمعنا الله بكم في الفردوس الأعلى.
– إسطنبول