يظل الأوَّل من أغسطس ذكرى ليوم مهم في ذاكرة الوطن، ففي ذلك اليوم من العام 2005 توفي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، وخَلفَه الملك عبد الله بن عبد العزيز -يرحمهما الله- وكلاهما لعب دورًا هامًا في مسيرة العلو والنماء والبناء في هذا الوطن العزيز، وكلاهما أضاف مجدًا فوق مجد في تعلية صرح الوطن، وإعلاء شأنه عبر العديد من الإنجازات في شتى المجالات، ولم يكن ذلك مستغربًا، ولا بالأمر الجديد، فأبناء الملك المغفور له -بإذن الله- عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ساروا جميعهم على نهجه القويم، ولم يفرطوا بالأمانة، ولم يحيدوا عن الطريق قيد أنملة، وكل واحد منهم أضاف لبنات جديدة في بناء صرح الوطن الذي ظل يزداد علوًا وشموخًا جيلًا بعد جيل، وعهدًا بعد عهد.
كان الفهد -يرحمه الله- قائدًا تجمعت لديه العديد من نقاط القوى في شخصيته القيادية الفذة، لا سيما وأنه كان يتمتع بشخصية كاريزمية وإرث سياسي توارثه عن والده الملك عبد العزيز جعلته رجل سياسة من طراز فريد، وصاحب قرار صائب لا يخطئ، وهو ما تمثل بشكل خاص في قراراته ومواقفه أثناء الغزو العراقي للكويت في الثاني من أغسطس عام 1990م، فقد كان للدعم السياسي والعسكري واللوجيستي والإعلامي الذي قدمه الفهد للكويت أثره الكبير في تحرير الكويت، ويحضرني القول في هذه المناسبة ما سبق وأن ذكره الراحل الرئيس السادات بأن جلالة الفيصل -رحمه الله- هو البطل الحقيقي لمعركة العبور المجيدة عام 1973، حيث يمكن ترديد مقولة مشابهة بأن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز هو البطل الحقيقي لتحرير الكويت عام 1991م.
وفي غضون ثلاثة عقود من الزمن تحوَّلت المملكة العربية السعودية في عهد الفهد إلى مجتمع حديث يتمتع بأعلى مستويات الرفاهية، وخلال تلك الفترة انصبت جهود التنمية على بناء وإنشاء البنية الأساسية والمرافق ووضع الهياكل والأطر التنظيمية للمجتمع والاقتصاد، واستثمرت إيرادات النفط في برامج إنشائية ضخمة جعلت من السعودية ورشة عمل نادرًا ما شهد العالم مثيلًا لها.
ولقد تعامل الفهد -يرحمه الله – بـ(روح القيادة) التي يمتلكها، لتحول بلاده المملكة العربية السعودية إلى دولة مدنية حديثة ودولة مؤسساتية، وظهر ذلك جليًا في الكيانات السياسية والإدارية والاقتصادية وفي مقدمتها: المجلس الأعلى الاقتصادي مرورًا بإنشاء هيئة الاستثمار وهيئة السياحة. وقد حرص الفهد على استثمار مداخيل نفط الثمانينيات الضخمة في إنشاء بنى تحتية ضخمة وسبع خطط تنموية ركزت على توسعة القاعدة الإنتاجية وتوسيع مصادر الدخل ورفع أداء القطاع الخاص.
ولم يشأ الملك فهد بن عبد العزيز -رحمه الله- أن يدع تلك المداخيل الضخمة لبلاده من دون أن يستقطع منه الكثير لمصلحة أقدس البقاع للمسلمين التي تضمها بلاده، فكانت التوسعة الكبرى للحرمين الشريفين التي خصص لها ما يزيد على 200 بليون ريال، وتمثل ذلك أيضًا في افتتاح مجمع الفهد لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة.
ومن أهم إنجازات الملك فهد العمل على تطوير أساليب الاقتصاد السعودي في إطار السياسة المستمرة لتعزيز وصيانة مكاسب المواطن، فأمر في عام 1421 هـ بإنشاء المجلس الاقتصادي الأعلى برئاسة صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز. كما أمر في عام 1421هـ بتكوين الهيئة العليا للسياحة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران، وفي نفس العام تم إنشاء الهيئة العامة للاستثمار، وأوكل إليها كل ما يتعلق بشؤون الاستثمار في المملكة، لتنمية وزيادة الاستثمار المحلي والأجنبي، كما وافق -رحمه الله- على إنشاء صندوق تنمية الموارد البشرية إلى جانب برنامَج مدروس لتحويل العديد من المرافق والمؤسسات العامة ذات الصبغة التجارية إلى شركات مساهمة والاستمرار في عملية الخصخصة.
وعلى الصعيد الخارجي، أولى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد عناية خاصة ومميزة للقضية الفلسطينية؛ وذلك سيرًا على النهج الذي رسمه الملك عبد العزيز في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني والوقوف في صفه. كما ساهمت إنجازات الملك فهد الخارجية في تنمية المجتمعات العربية وتطويرها عبر الوسائل المساندة والدعم المباشرة، وعلى الصعيد الإسلامي أولى الملك فهد اهتمامًا كبيرًا لقضايا العالم الإسلامي، فكانت للمملكة إسهامات واضحة وملموسة في الساحة الدولية في الدفاع عن مبادئ الأمن والسلام والعدل وحماية حقوق الإنسان، ومحاربة التمييز العنصري ونبذ العنف ومكافحة الإرهاب.
رحم الله خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، وجعله في جنة الخلد.
0